مقاصد الدعوة إلى الله تعالى عند أهل السنة والجماعة

مقاصد الدعوة إلى الله تعالى عند أهل السنة والجماعة

إن أهل السنة والجماعة في دعوتهم كلها – قديما وحديثا – منضبطون بقواعد معلومة ,ففهم كتاب الله تعالى عندهم منضبط بفهم السلف وفهم السنة منضبط بفهم السلف وكذلك علوم اللغة والأصول والمصطلح والفقه وعلم المقاصد أيضا منضبط بفهم السلف

وليؤسّس هذا البحث على استقراء نصوص الشرع وكلام أهل العلم على سبيل الإيجاز والإيماء

مقاصد دعوة أهل السنة والجماعة :

قال يحي بن معاذ الرازي (258هـ) : " اختلاف الناس كلهم يرجع إلى ثلاثة أصول ,فلكل واحد منها ضد , فمن سقط عنه وقع في ضده :

أ : التوحيد وضده الشرك

ب: والسنة وضدها البدعة

ج : والطاعة وضدها المعصية " (1)

وقرر شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – أن الجهل بمقاصد الدعوة هو السبب الأعظم لانحراف الطوائف والفرق , قال –رحمه الله - :

" الوجه الثاني : في مفارقة الطريقة القرآنية الكلامية : إن الله أمر بعبادته التي هي كمال النفوس وصلاحها , وغايتها ونهايتها , لم يقتصر على مجرد الإقرار كما هو غاية الطريقة الكلامية فلا وافقوا لا في المسائل ولا في المقاصد " (2)

أولا : بيان المقصد الأول : وهو تحقيق التوحيد المنافي للشرك

قال شيخ الإسلام ابن تمية –رحمه الله - :" وكان المقصود بالدعوة وصول العباد إلى ما خلقوا له من عبادة ربهم وحده لاشريك له " (3)

وقال ابن القيم –رحمه الله - " فالمقصود معرفة الله بأسمائه وصفاته ومعرفة ما ينبغي لجلاله وما يتعالى ويتقدس عنه " (4)

فهذا نص صريح من شيخ الإسلام الثاني والعالم الرباني ابن القيم –رحمه الله – على أن المقصد الأول والأعظم لدعوة أهل السنة هو تحقيق توحيد الله تعالى , ونفي الشرك عنه في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته , وإنما تَصْدُر هذه الحِكَم عنه –رحمه الله – لكمال رسوخ قدمه في علوم الشريعة وتمام معرفته بالأصول السلفية

الأدلة من كتاب الله على ذلك :

قال الله تعالى : "{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (36) سورة النحل"

وقال أيضا : "{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (21) سورة البقرة

{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (51) سورة المؤمنون"
{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} (3) سورة قريش{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (91) سورة النمل


الأدلة من السنة أيضا :

قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم - : " أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لاإله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ..." (5) الحديث

وقال لمعاذ:" إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعه إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " (6)

قال شيخ الإسلام ابن تيمة : " إنما نبهنا هنا على رؤوس المسائل , وجنس الدلائل , والتنبيه على مقاصد الشريعة وما فيها من إخلاص الدين لله وعبداته وحده لا شريك له , وما سدّته من الذريعة إلى الشرك دقِّه وجلِّه , فإن هذا هو أصل الدين وحقيقة دين المرسلين وتوحيد رب العالمين " (7)

وقال ابن القيم :" وملاك النجاة والسعادة والفوز بتحقيق التوحيدين الذين عليهما مدار كتاب الله تعالى ويتحقيقهما بعث الله –سبحانه وتعالى- رسوله –صلى الله عل يه وسلم – وإليهما رغَّب الرسل –صلوات الله وسلامه عليهم كلهم –من أولهم إلى آخرهم " ( 8 )

ثانيا : بين المقصد الثاني وهو تحقيق السنة المنافي للبدعة

معنى السنة في الإصطلاح : يقول الحافظ الكبير ابن رجب –رحمنه الله - :" والسنة هي الطريقة المسلوكة فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه هو ( أي النبي صلى الله عليه وسلم )وخلفاؤه الراشدون من :

أ: الإعتقادات

ب: والأعمال

ج / والأقوال

وهذه هي السنة الكاملة ولهذا كان السلف قديما لا يطلقون السنة إلا على ما يشمل ذلك كله , روي معنى ذلك عن الحسن والأوزاعي وتالفضيل بن عياض " (9)

وتحقيق السنة يكون بامتثالها والعمل بها واعتقادها ومحبة أهلها وتولي من ينصرها وتعليمها لمن لا يعلمها .

فصل : حرص السلف على امتثال السنة

أخرج أبو داود (4607) عن النبي –صلى اله عليه وسلم – قال : فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين الراشدين , تمسكوا بها , وعضوا عليها بالنواجذ , وإياكم ومحدثات الأمور , فإن كل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة " (10)

ولما بلغ عليا –رضي الله عنه – أن عثمان – رضي الله عنه- ينهى عن متعة الحج أهل علي بالحج والعمرة جميعا , وقال " لا أدع سنة رسول الله –ضلى الله عليه وسلم – لقول أحد من الناس " (11)

وقال ابن عباس –رضي الله عنهما - :" يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء , أقول : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم , وتقولون : قال أبو بكر وعمر ! "( 12)

قال الإمام البخاري في صحيحه : " كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة " , ثم أخرج عن عبد الله بن عمر أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه :" وأُقر لك بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت "

سيد المعلمين يشرح السنة بالخط المستقيم :

· عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه – قال :" خط لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خطا , وخط عن يمينه وعن يساره , فقال هذا سبيل الله , ثم خط لنا خطوطا عن يمينه ويساره وقال : هذه سبل , على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم تلا هذه الآية :"
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (153) سورة الأنعام (13)

· قال بكر بن العلاء : " أحسبه أراد شيطانا من الإنس , وهي البدع والله أعلم " (14)

نفي البدعة :

لقد استفاض تحذير السلف –رضي الله عنهم – من أهل البدع والأهواء انتصارا لدين الله وحماية لجناب الشريعة وجهادا لأعداء الرسالة وهذه أقوالهم هل تجد فيها غير النصيحة

- روى الإمام البخاري في كتاب " خلق أفعال العباد " عن عبد الله بن المبارك المتوفى سنة (181ه) قوله :" إنا نستطيع أن نحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية "

- فقال الدارمي الإمام " صدق ابن المبارك , إن من كلامهم في تعطيل صفات الله تعالى ما هو أوحش من كلام اليهود والنصارى " (15)

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – " وعامة ما يوجد في النفاق في أهل البدع , فإن الذي ابتدع الرفض كان منافقا زنديقا , وكذلك يقال عن الذي ابتدع التجهم , وكذلك رؤوس البقرامطة والخرمية وأمثالهم لا ريب أنهم من أعظم المنافقين " (16)

ويقول أيضا : " هذا مع العلم بأن كثيرا من المبتدعة منافقون النفاق الأكبر " (17)

أهمية رد البدعة عند السلف :

هذا المقام يدل على فقه السلف , وكمال دينهم وما عندهم من مراقبة لله تعالى , على عكس ما يظن غير الموفقين الذين سجنتهم الشبهات بظلامها وغرتهم الشهوات بسرابها .

· قال الإمام الكبير يحي بن يحي –رحمه الله – (226هـ) : الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله " فقال له محمد بن يحي الذهلي " الرجل ينفق ماله , ويتعب نفسه , ويجاهد ,فهذا أفضل منه ؟ قال يحي , نعم بكثير " (18)

· وقال العلم الشامخ والطود الراسخ شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – "....ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة , فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين " (19) فارفع رأسا بهذا تكن من الموفقين وحسبك الله في كل الأحوال

أم المؤمنين أم سلمة تنهى عن بدعة التحزب :

عن الحسن : قال : خرج علينا عثمان بن عفان –رضي الله عنه – يوما يخطبنا فقطعوا عليه كلامه فتراموا بالبطحاء , حتى جُعلت ما أبصر أديم السماء .قال : وسمعنا صوتا من بعض حجر أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم – فقيل : هذا صوت أم المؤمنين .قال فسمعتها وهي تقول : ألا إن نبيكم برئ ممن فرق دينه واحتزب –تعني تحزب - , وتلت : "
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } (159) سورة الأنعام (20)

تصرف أهل السنة بالتأليف في نفي البدع :

فممَّن رد على الجهمية في مؤلفاته مالك ابن أنس في كتابه " الموطأ" وقد نقل عنه الإمام ابن تيمية فائدة عزيزة في بيان سبب تأليفه ل "الموطأ" :

" وقد قيل : إن مالكا إنما صنف " الموطأ" تبعا له ( أي : لحماد ابن سلمة ) وقال :" جمعت هذا خوفا من الجهمية أن يضلوا الناس , لما ابتدعت الجهمية النفي والتعطيل حتى أنه لما صُنف الكتاب الجامعة , صنف العلماء فيها كما صنف نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري كتابه في الصفات والرد على الجهمية ,وصنف عبد الله بن محمد الجُعفي شيخ البخاري كتابه في الصفات والرد على الجهمية , وصنف عثمان بن سعيد الدارمي كتابه في الصفات والرد على الجهمية , وكتابه في النقض على المريسي , وصنف الإمام أحمد رسالته في إثبات الصفات والرد على الجهمية , وأملى في أبواب ذلك حتى جمع كلامه أبو بكر الخلال في كتاب السنة , وصنف عبد العزي الكِناني صاحب الضافعي كتابه في الرد على الجهمية , وصنف كتب السنة في الصفات طوائف مثل عبد الله بن أحمد , وحنبل ابن إسحاق , وأبي بكر الأثرم , وخشيش بن أصرم شيخ أبي داود , ومحمد بن إسحاق بن خزيمة , وأبي بكر بن أبي عاصم , والحكم ابن معبد الخزاعي , ولأبي بكر الخلَّال , أبي القاسم الطبراني وأبي الشيخ الأصبهاني , وأبي أحمد العَّسال وأبي بكر الآجري وأبي الحسن الدارقطني , كتاب كتاب الصفات وكتاب الرؤية , وأبي عبد الله بن منده , وأبي عبد الله ابن بطة وأبي قاسم اللالكائي , وأبي عمر الطَّلمنكي , وغيرهم, و أيضا فقد جمع العلماء من أهل الحديث والفقه والكلام والتصوف هذه الآيات والأحاديث وتكلموا في إثبات معانيها وتقرير صفات الله دلت عليها هذه النصوص , لما ابتدعت الجهمية جحد ذلك والتكذيب له ..." (21) وإلى وقتنا هذا مازال هذا هو دينهم

ومن ذلك ما ألفه شيخ الإسلام " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ", والشاطبي " الإعتصام "

· قال عمر بن عبد العزيز : "ألا وإني أعالج أمرا لا يعين عليه إلا الله , قد فني عليه الكبير , وكبر عليه الصغير , وفَصَحَ عليه الأعجمي , وهاجر عليه الأعرابي , حتى حسبوه دينا لا يرون الحق غيره " 22

نعم هذا الذي قضَّ مضاجع أهل السنة دفع البدعة ودحرها , وإماتتها وقهرها وردُّها والدفع في صدور أنصارها

ثالثا : المقصد الثالث وهو : تحقيق المتابعة المنافية لتقليد غيره –صلى الله عليه وسلم –

قال الأصبهاني (535هـ) : " الإتباع عند العلماء هو الأخذ بسنن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – التي صحت عنه عند أهلها ونقلتها وحفاظها , والخضوع لها , والتسليم لأمر النبي –صلى الله عليه وسلم – فيها تقليدا لمن أمر الله بتقليده والإئتمار بأمره , والإنتهاء عما نهى الله عنه ...." 23

· والمتابعة : هي قسم من أقسام التوحيد المتعلق بشهادة أن أمحمدا رسول الله

· قال الشيخ الوصابي :" توحيد المتابعة هو أن نفرد رسول الله –صلى الله عليه وسلم – في الإتباع , فلا تبيع إلا إياه إتباعا مطلقا , اما غيره فيتبع اتباعا مقيدا يوافق الشرع

قال اله تعالى :"
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (31) سورة آل عمران


· وقال تعالى :
{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) سورة الحشر

· وقال تعالى :

{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (115) سورة النساء

ثم قال الوصابي :" وهذا معنى ( أشهد أنَّ محمَّدا رسول الله ) "

معنى نفي التقليد :

· قال الأصبهاني (535هـ) :" قالوا إن التقليد إنما هو : قبول قول الغير من غير حجة . وأهل السنة إنما تبعوا قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم – وقوله :نفس الحجة " 24

فالتقليد اصطلاحا هو : قبول قول العالم من غير دليل

وقد يكون في المعتقدات وهو أخطرها وأشدها على العباد , وبه ضل من ضل من اليهود والنصارى والمجوس وخلقٍ لا يُحْصون من طوائف المبتدعة .

وقد يكون من جهة الأعمال –وهو أخف من الأول – وقد كان سببا في اندراس كثير من علوم الشريعة من جهة الفقه في الدليل, حتى كاد بعضهم أن يحرِّم النَّظر في الدليل مطلقا كما حكت صفحات التاريخ !

لهذا كله وقف أهل السنة الموقف الشامخ العادل , وناضلوا عن شريعة الإسلام النضال العظيم الباسل , فأزاحوا عن الدين المستقيم الشطط والباطل

· قال ابن القيم رحمه الله رحمه واسعة :

" ثم سار على آثارهم الرعيل الأول من أتباعهم , ودرج على منهاجهم الموفقون من أشياعهم زاهدين في التعصب للرجال , واقفين مع الحجة والإستدلال , يسيرون مع الحق أينما سارت ركائبه ويستقلون مع الصواب حيث استقلت مضاربه , إذا بدا لهم الدليل بأُخْذَته طاروا إليه زُرافات ووُحدانا , وإذا دعاهم الرسول إلى أمر انتدبوا إليه ولا يسألونه عما قال برهانا , ونصوصه أجل في صدورهم وأعظم في نفوسهم من أن يقدموا عليها قول أحد من الناس أو يعارضوها برأي أو قياس .

ثم خلف من بعدهم خُلوف فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون , وتقطعوا أمرهم بينهم زُبرا , وكلٌ إلى ربهم راجعون , جعلوا التعصب للمذاهب ديانتهم التي بها يدينون ورؤوس أموالهم التي بها يتجرون , وآخرون منهم قنعوا بمحض التقليد , وقالوا : {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} (22) سورة الزخرف (25)

فانظر –رحمك الله – إلى صولة هذا الإمام الهمام , ثم كن عادلا منصفا , فإنَّ ذلك يذهب عنك درن التقليد وأوزاره

ثم عقد ابن القيم –رحمه الله – بابا في نهي الصحابة في تقليد الرجال , وفيه ذكر عبد الله بن المعتمر :" لا فرق بين بهيمة تُنقاد وإنسان مقلد "

وبابا آخر في نهي الأئمة الأريعة عن تقليدهم , قال :" قال المُزني في أول "مختصره " : اختصرت هذا من علم الشافعي , ومن معنى قوله ,لأقرِّبه على من أراده مع إعلامية نهيه عن تقليده وتقليد غيره "
وقال ابن القيم : " قال بشر بن الوليد : قال أبو يوسف : لا يحل لأحد أن يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا "(26)

· قال الحسن البصري وغيره من السلف:" زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم بهذه الآية فقال : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ } (31) سورة آل عمران (27)

وقال شيخ الإسلام :" والله تعالى قد جعل محبته موجبة لاتباع رسوله فقال تعالى: " {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (31) سورة آل عمران ,... فكل من ادعى أنه يحب الله ولم يتبع الرسول فقد كذب " (28)

وقال الإمام الألباني –رحمه الله - :" إنه لا يمكن لأحد أن يرقى لهذه المنزلة من الحب لله ورسوله إلا بتوحيد الله تعالى في عبادته دون سواه , وبإفراد النبي –صلى الله عليه وسلم – بالإتباع دون غيره من عباد الله , لقوله تعالى : {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (80) سورة النساء (29)

وهذا المعنى لمن أراده مبسوط بتوسع في اعتصام الشاطبي , وكتب ابن تيمية ,. وابن القيم , ورسائل المشايخ والعلماء , مثل الشيخ ابن باز والألباني وابن عثيمين رجمهم الله , والفوزان والشيخ ربيع –حفظهما الله , بما لا يحيط به حصر

وعذري في التقصير ضعف الوسيلة وخفوت القرحة وتقدم الأقران وقوة ما عندهم من الزاد فأنا بهم مقتدي ووراءهم مقتفي , ولسان الحال يقول :

لقد مضيت وراء الركب ذا عرج *** مؤمِّلا جبر ما لاقيت من عرج

وإن ضللت بقفر الأرض منقطعا *** فما على أعرج في الناس من حرج



ــــــــــــــــــــ

(1) "الإعتصام " (1/151)

(2)" مجموع الفتاوى " (2/14)

(3) "مجموع الفتاوى"(2/10)

(4) "مفتاح دار السعادة "(2/1159)

(5)البخاري (25) , مسلم (22) عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنه -

(6)البخاري (1458) مسلم (19)

(7)" الإقتضاء " (ص 459 دار المعرفة .حامد الفقي )

( 8 )" اجتماع الجيوش " (ص84)

(9)" جامع العلوم والحكم " (ص 434.ط دار الفجر للتراث , القاهرة )

(10) أبو داود (4607) و"صحيح الجامع " (2549)

(11) البخاري (1563) , وانظر" وجوب العمل بالسنة" لابن باز –رحمه الله- (ص 14)

(12) نفس المصدر (ص14)

(13) أحمد (4142) والنسائي في الكبرى (11174) والحاكم (3241)

(14)" الاعتصام " (1/77)

(15)نفس المرجع السابق (ص57)

(16 )"بغية المرتاد" (1/341)

(17)قارن ب"الرد على الجهمية " (31) و"مجموعة الرسائل " (3/15)و" مجموع الفتاوى" (12/497)

(18) "ذم الكلام للهروي (242)

(19)"مجموع الفتاوى " (28/231)

(20) الاعتصام

(21)الفتاوى الكبرى (6/336)

(22)"الاعتصام" (ض1/20.ط. الأثرية )

(23) " الحجة في بيان المحجة" (2/247)

(24) " الحجة في بيان المحجة"(2/119)

(25)"إعلام الموقعين" (1/6.ط. دار الفكر )

(26) المرجع السابق (ص462)

(27)"تفسير ابن كثير"(2/32) .ط. طيبة

(28) " مجموع الفتاوى" (8/360)

(29) " تحريم آلات الطرب " (ص159)

مجلة الإصلاح العدد الثامن والعشرون
الشيخ : زيدان بريكة فرجيوة ولاية ميلة
وكتبه على الشابكة : أبو أنس أسامة الفرجيوي الميلي
يوم الإثنين : 19 ربيع الثاني 1433هـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
المغرب العربي جوزيت خيراً