بحـث
مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
بن يوسف رياحي | ||||
الرياحى | ||||
الصقر | ||||
انورالرياحي11 | ||||
فيتوري ارياحي | ||||
عابرسبيل | ||||
الزبير الرياحى | ||||
المغرب العربي | ||||
صلاح الرياحى | ||||
سفينه الصحراء |
كسب المال مع AlertPay
الرد المسدد على من أجاز بدعة المولد
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الرد المسدد على من أجاز بدعة المولد
الرد المسدد على من أجاز بدعة المولد
إعداد: جمال البليدي-ستر الله عيوبه-
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:فقد كثر الكلام عن الاحتفال بالمولد وحكمه في الإسلام ما بين مجيز وبين محرم لهذا ارتئيت أن أقوم ببحث حول المسألة حيث أنني رجعت لمن كتب قبلي من بحوث ورسائل وقد اعتمدت كثيرا على بحث أخونا أبو معاذ السلفي والأخ بشير أبو عبد الرحمان وكذلك كتاب المولد للشيخ سمير المالكي كما أضفت بعض المسائل والردود على بعض الشبهات الجديدة هذا مع الأخد بعين الإعتبار أنني لا أتحدث عن المولد الذي يعم بالمنكرات والمفاسد فهذا لا يختلف فيه اثنان إنما أتحدث عن أصله وقد فصت هذا البحث إلى ثمانية فصول :
الفصل الأول :بيان أن المولد النبوي لم يقع من السلف الصالح وأنه من البدع المحدثة .
الفصل الثاني :إثبات أن الفاطميين أول من احتفل بالموالد.
الفصل الثالث : بيان كذب من يزعم أن من ينكر الاحتفال بالمولد بأنه مبغضللرسول صلى الله عليه وسلم ومكفر لمن يحضر ذلك الاحتفال.
الفصل الرابع:المولدُ النَّبوي بين الاتّباع والابْتداع.
الفصل الخامس : أقوال علماء الأمة في بدعة المولد.
الفصل السادس : : إعتراف القائلين بجواز الاحتفال أنه من المحدثات (وكفى بها حجة).
الفصل السابع :طرق أهل البدع في الاستدلال لبدعهم.
الفصل الثامن :كشف الشبهات ورد الاعتراضات
الفصل الأول :
بيان أن الاحتفال بالمولد النبوي لم يقع من السلف الصالح وأنه من البدع
اتفق أهل العلم ممن قال بجواز الاحتفال بالمولد ومن قال بعدم جواز الاحتفال به على أن السلف الصالح رضي الله عنهم لم يحتفلوا به ومن تصريحاتهم بذلك ما يلي:
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن الاحتفال بالمولد النبوي في "اقتضاء الصراط المستقيم"(2/619): (لم يفعله السلف، مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضا، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنّته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار،والذين اتبعوهم بإحسان) اهـ.
2- قال الإمام تاج الدين عمر بن سالم اللخمي المشهور بالفاكهاني- رحمه الله - في "المورد في عمل المولد"(ص20-21): (لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة).
3- قال العلامة ابن الحاج - رحمه الله - في "المدخل" (2/312) نقلاً من "القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل" للعلامة الأنصاري رحمه الله (ص57): (فإن خلا - أي عمل المولد- منه - أي من السماع - وعمل طعاماً فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الاخوان،
وسلم من كل ما تقدم ذكره - أي من المفاسد- فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ إن ذلك زيادة
في الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً له ولسنته صلى الله عليه وسلم، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم... الخ).
4- قال العلامة عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - في "حكم الاحتفال بالمولد النبوي وغيره" ضمن "أربع رسائل في التحذير من البدع" (ص3): (الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله - أي المولد النبوي -، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعه ممن بعدهم... الخ).
5- وقال الشيخ محمد بن عبد السلام الشقيري في "السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات" (ص138-139): (فاتخاذ مولده موسماً والاحتفال به بدعة منكرة ضلالة لم يرد بها شرع ولا عقل، ولو كان في هذا خير كيف يغفل عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة والتابعون وتابعوهم والأئمة وأتباعهم؟).
وفيما يلي أنقل أقوالاً لبعض من يرى مشروعية الاحتفال بالمولد يتضح من خلالها كذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بالمولد وأنه لم يكن من فعل السلف:
1- قال السيوطي - رحمه الله - في "حسن المقصد"ضمن "الحاوي للفتاوى" (1/189):
(أول من أحدث فعل ذلك - أي فعل المولد- صاحب إربل الملك المظفر).
2- قال أبو شامة - رحمه الله - في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص95):
(ومن أحسن! ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل: ما كان يفعل بمدينة إربل جبرها الله تعالى كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور... الخ).
3- قال الإمام السخاوي - رحمه الله - نقلاً من "المورد الروي في المولد النبوي" لملا علي قارى (ص12): (أصل عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعدها بالمقاصد الحسنة).
4- قال محمد بن علوي المالكي في "حول الاحتفال بالمولد" (ص19): (فالاحتفال بالمولد وإن لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم، فهو بدعة، ولكنها حسنة لاندراجها تحت الأدلة الشرعية،والقواعد الكلية).
5- قال يوسف الرفاعي في "الرد المحكم المنيع" (ص153): (إن اجتماع الناس على سماع قصة المولد النبوي الشريف، أمر استحدث بعد عصر النبوة، بل ما ظهر إلا في أوائل القرن السادس الهجري)!.
(وبهذه النقول يتضح أن السلف الصالح لم يحتفلوا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بل تركوه، وما تركوه
لا يمكن أن يكون تركهم إياه إلا لكونه لا خير فيه كما أوضحه ابن الحاج في "المدخل"
(4/278)؛ حيث قال بصدد استنكاره لصلاة الرغائب ما نصه: (ما حدث بعد السلف رضي الله عنهم لا يخلو إما أن يكونوا علموه وعلموا أنه موافق للشريعة ولم يعملوا به؟!
ومعاذ الله أن يكون ذلك، إذ إنه يلزم منه تنقيصهم وتفضيل من بعدهم عليهم، ومعلوم أنهم
أكمل الناس في كل شيء وأشدهم اتباعاً.
وإما أن يكونوا علموه وتركوا العمل به؟ ولم يتركوه إلا لموجب أوجب تركه، فكيف يمكن فعله؟! هذا مما لا يتعلل.
وإما أن يكونوا لم يعلموه فيكون من ادعى علمه بعدهم أعلم منهم وافضل واعرف بوجوه البر وأحرص عليها!
ولو كان ذلك خيراً لعلموه ولظهر لهم ومعلوم أنهم أعقل الناس وأعلمهم…الخ).
وفيه دليل من ناحية أخرى على أن ما تركه السلف الصالح لابد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تركه وتركه صلى الله عليه وسلم للشيء مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه سنة كما ان فعله سنة فمن استحب فعل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم كان كمن استحب ترك ما فعله ولا فرق).
ولا يقول قائل ما هو الدليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم لم يحتفلوا بالمولد لأنه لو وقع لنقل إلينا، ولذكره من يحتفل بالمولد النبوي لأن الحجة تكون حينئذ أقوى.
ومما يدل كذلك على أن السلف الصالح لم يحتفلوا بيوم المولد النبوي اختلافهم في تحديد اليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بسط الكلام على ذلك الخلاف الإمام ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/260 - 261).
الفصل الثاني:
إثبات أن الفاطميين أول من احتفل بالموالد
وهذا الفصل مختصر من "القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل" للعلامة إسماعيل الأنصاري رحمه الله (ص64-72):
1 - قال تقي الدين المقريزي - رحمه الله - في "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"
(1/490)؛ تحت عنوان "ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم": (كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي موسم رأس السنة وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه...) اهـ.
2 - وقال مفتي الديار المصرية سابقاً الشيخ محمد بن بخيت المطيعي في "أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام" (ص44): (مما أحدث وكثر السؤال عنه الموالد، فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله.. الخ).
3 - وقال الشيخ علي محفوظ - رحمه الله - وهو من كبار علماء مصر- في "الإبداع في
مضار الابتداع" (ص251): (قيل أول من أحدثها - أي الموالد- بالقاهرة الخلفاء الفاطميون
في القرن الرابع، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد الإمام علي رضي الله عنه، ومولد السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ومولد الحسن والحسين رضي الله عنهما، ومولد
الخليفة الحاضر... الخ).
4 - وقال الدكتوران حسن إبراهيم حسن مدير جامعة أسيوط سابقاً وطه أحمد شرف مفتش المواد الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم في كتابهما "المعز لدين الله" (ص284) تحت عنوان "الحفلات والأعياد": (ان المعز كان يشترك مع رعاياه في الاحتفال بعيد رأس السنة الهجرية، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، وليلة أول رجب ونصفه، وأول شعبان ونصفه، وموسم غرة رمضان، حتى لا يثير نفوس السنيين! ويقرب مسافة الخلف بين المبادئ السنية والعقائد الشيعية!! وكذلك كان المعز لدين الله يستغل هذه الأعياد التي كان زخر بها عهده في نشر خصائص المذهب الإسماعيلي وعقائده!! لذلك كان يحتفل بيوم عاشوراء ليحيي فيها ذكرى الحسين رضي الله عنه، كما كان يحي ذكرى مولد كثير من الأئمة، وذكرى مولد الخليفة القائم بالأمر، وهكذا اتخذ المعز من الاحتفال بهذه الأعياد وسيلة لجذب رعاياه إليه ونشر مبادئ المذهب الإسماعيلي) اهـ.
الفصل الثالث:
بيان كذب من يزعم أن من ينكر الاحتفال بالمولد بأنه مبغض
للرسول صلى الله عليه وسلم ومكفر لمن يحضر ذلك الاحتفال
لقد أشاع الكثير ممن يقيمون الاحتفال بالمولد النبوي أن من ينكر هذا الاحتفال إنما هو يكره الرسول صلى الله عليه وسلم!! وهذا من الكذب الصريح!
كما أشاعوا أن من ينكر ذلك الاحتفال يعتبره شركاً اكبر!
وأن من يحتفل بالمولد يعتبر مشركاً! وهذا أيضاً كذب صريح!!
وإليك أخي القارىء بعض أقوال أولئك المحتفلين حول هذا الأمر وبيان كذبهم في ذلك:
1- قال يوسف الرفاعي في "الرد المحكم المنيع" (ص15- 16) وهو يشير إلى مقال له نشره في جريدة السياسة الكويتية: (وكان عنوان وموضوع مقالي (الرد على الشيخ عبدالعزيز بن باز) عندما هاجم الاحتفال بالمولد النبوي واعتبره شركاً وبدعة … الخ).
2- قال راشد المريخي في "إعلام النبيل" (ص17- 18): (وإذا احتفل أحد بليلة مولده صلى الله عليه وسلم تعظيما له وإقامة لأبهة الإسلام قالوا: هذا مشرك … فنعوذ بالله من ناشئة تكفر الأمة بمدح النبي صلى الله عليه وسلم أو الاحتفال بمولده) انتهى باختصار.
ولبيان كذب أولئك أنقل فيما يلي بعض أقوال المنكرين للاحتفال بالمولد وتصريحهم أن إنكارهم للمولد هو بسبب انه بدعة وليس شركاً:
1- قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله - في "مجموع فتاوى ومقالات
متنوعة" (2/380): (كتبت منذ أيام مقالاً يتضمن جواب سؤال عن حكم الاحتفال بالمولد،
وأوضحت فيه أن الاحتفال بها من البدع المحدثة في الدين.
وقد نشر المقال في الصحف المحلية السعودية وأذيع من الإذاعة.
ثم علمت بعد ذلك أن إذاعة لندن نقلت عني في إذاعتها الصباحية أني أقول بأن الاحتفال بالموالد كفر.
فتعين علي إيضاح الحقيقة للقراء فأقول إن ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية في إذاعتها الصباحية في لندن منذ أيام عني أني أقول بأن الاحتفال بالموالد كفر، كذب لا أساس له من الصحة وكل من يطلع على مقالي يعرف ذلك.
وإني لآسف كثيراً لإذاعة عالمية يحترمها الكثير من الناس ثم تقدم هي أو مراسلوها على الكذب الصريح.
وهذا بلا شك يوجب على القراء التثبت في كل ما تنقله هذه الإذاعة خشية أن يكون كذباً كما جرى في هذا الموضوع... الخ).
2- قال الشيخ أبو بكر الجزائري - حفظه الله - في "الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف" (ص76): (إن مثل هذه البدعة - أي بدعة الاحتفال بالمولد النبوي - لا تكفر فاعلها ولا من يحضرها، ووصم المسلم بالكفر والشرك أمر غير هين).
3- وقال أيضاً (ص5) من المصدر السابق: (يشاع بين المسلمين أن الذين ينكرون بدعة المولد هم أناس يبغضون الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يحبونه، وهذه جريمة قبيحة كيف تصدر من عبد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ إذ بغض الرسول صلى الله عليه وسلم أو عدم حبه كفر بواح لا يبقى لصاحبه أية نسبة إلى الإسلام والعياذ بالله تعالى) اهـ.
4- قال الشيخ علي بن حسن الحلبي - حفظه الله - في تعليقه على "المورد في عمل المولد" للفاكهاني (ص19): (يظن بعض الجهلة في زماننا أن الذين لا يجيزون عمل المولد والاحتفال به لا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ظن آثم، ورأي كاسد، إذ المحبة وصدقها تكون في الاتباع الصحيح للنبي صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ))[آل عمران:31[) اهـ.
الفصل الرابع
المولدُ النَّبوي
بين الاتّباع والابْتداع
.
والأدلة على بدعيَّة هذا العمل كثيرة نُجمل بعضها فيما يلي:
1 ـ أنَّه لم يرد في الكتاب ولا في السُّنَّة1.
قال العلَّامة تاج الدِّين الفاكهانيّ المالكيُّ (ت 734هـ) رحمه الله: «فقد تكرَّر سؤالُ جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعضُ النَّاس في شهر ربيع الأوَّل، ويسمُّونه المولد، هل له أصل في الشَّرع، أو بدعة وحَدَثٌ في الدِّين؟ وقصدوا الجواب عن ذلك مُبيَّنًا، والإيضاح عنه معيَّنًا.
فقلتُ وبالله التَّوفيق: لا أعلمُ لهذا المولدِ أصلاً في كتابٍ ولا سنَّةٍ، ولا يُنقلُ عملُه عن أحدٍ من علماءِ الأمَّة الَّذين همُ القدوةُ في الدِّين المتمسِّكون بآثار المتقدِّمين، بل هو بدعةٌ أحدثها البطَّالونَ، وشهوةُ نفسٍ اعتنى بها الأكَّالون»[8].
ولا شكَّ أنَّ مولد سيِّد الأنبياء والمرسلين نعمةٌ كبرى ومنَّةٌ عظمى، تفضَّل اللهُ تعالى به على الإنس والجنِّ، ومع ذلك لم ترد الإشارةُ إليه في كتاب الله، وإنَّمَا جاء الامتنان ببعثته صلى الله عليه وسلم لا بمولده كقوله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾[آل عمران: 164]، وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ﴾[الجمعة:2]، ومنه قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الرعد: 30]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
22ـ وأنَّه لم يعملْ به أحدٌ من الخلفاء الرَّاشدين والصَّحابةِ والتَّابعين لهم بإحسان، المشهودِ لهم بالخيريَّة، على لسانِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في قولِه: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»[12].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إنَّ هذا ـ أي اتخاذ المولد عيدًا ـ لم يفعلْه السَّلفُ مع قيامِ المقتَضِي له، وعَدمِ المانعِ منه»، قال: «ولو كان هذا خيرًا محضًا أو راجحًا لكان السَّلفُ رضي الله عنهم أحقَّ به منَّا، فإنَّهم كانوا أشدَّ محبَّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منَّا، وهم على الخير أحرصُ»[13].
ولما أراد الفاروق عمر رضي الله عنه أن يضع للمسلمين تاريخًا استشارَ في ذلك الصَّحابة رضي الله عنهم ، فاتَّفقتْ كلمتُهم على جعلِه من يومِ هجرتِه صلى الله عليه وسلم من مكَّة إلى المدينة.
فعن سَهلِ بن سَعْدٍ رضي الله عنه قال: «ما عَدُّوا من مبعثِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا من وفاته، ما عَدُّوا إلاَّ من مَقْدَمِه المدينةَ»[14].
وعن سَعيدِ بنِ المسيِّبِ قال: «جمع عُمَرُ النَّاسَ فسألهم من أيِّ يوم يُكتبُ التَّاريخُ؟ فقال عليٌّ: مِنْ يومِ هاجرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وتركَ أرضَ الشِّرك، ففعلَه عمرُ رضي الله عنه »[15].
قال الحافظُ ابن حَجر: «وقد أبدى بعضُهم للبَدَاءة بالهجرةِ مناسبةً، فقال: كانتْ القضايا التي اتَّفقتْ له ويُمكنُ أن يؤرَّخ بها أربعةٌ: مولدُه، ومبعثُه، وهجرتُه، ووفاتُه؛ فرجَحَ عندهُم جعلُها مِنَ الهجرةِ؛ لأنَّ المولدَ والمبعثَ لا يخلُو واحدٌ منهما من النِّزاع في تعيين السَّنةِ، وأمَّا وقتُ الوفاةِ فأعرضُوا عَنه لِمَا تُوُقِّعَ بذكرِه من الأسفِ عَليه، فانحصرَ في الهجرةِ»[16].
فأنت ترى ـ أخي القارئ ـ أنَّ الصَّحابة الكرام ـ رضوانُ الله عليهم ـ اتَّفقوا على وضْعِ التَّاريخ الإسلامي ابتداءً من تاريخِ الهجرة ، ومع ذلك لم يُنقل عنهم ولا عمَّن بعدَهم من أهل القُرون المفضَّلة أنَّهم اتَّخذوا ذلك الحَدَث الجَلَل عيدًا يحتفلُون به على رأسِ كلِّ سنةٍ، وإنَّما ابتدع الاحتفالَ به الرَّوافضُ من الخُلفاءِ الفاطميِّين في أواخرِ القرنِ الرَّابع الهجريِّ ـ بعد انقراضِ القرون الخيريَّة ـ قال العلَّامة المقريزيُّ رحمه الله: «وكان للخلفَاء الفاطميِّين في طول السَّنة أعيادٌ ومواسم، وهي: موسمُ رأس السَّنة، وموسم أوَّل العام، ويومُ عاشوراء، ومولدُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومولدُ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولدُ الحسن، ومولدُ الحسين، ومولدُ فاطمة الزَّهراء، ومولدُ الخليفة الحاضر...» إلخ أعيادهم البدعيَّة[17].
فأحدث الرَّافضة ـ قبَّحهم الله ـ هذه الأعيادَ التي منها: الاحتفال برأس السَّنة اقتداءً باليهود، والاحتفال بالمولد النَّبويِّ اقتداءً بالنَّصارى، وقد كانت عادتُهم عند الاحتفال بالمولد «أن يُعمل في دار الفطرة عشرون قنطارًا من السُّكر الفائقِ حلوى من طرائفِ الأصنافِ وتُعبَّى في ثلاثمائة صِينِيَّة نُحاس، فإذا كانَ ليلةُ ذلك المولد تُفرَّق في أربابِ الرُّسوم كقاضي القضاة وداعي الدُّعاة وقُرَّاء الحضرة والخطباء والمتصدِّرين بالجوامع بالقاهرة ومصر وقَوَمَةِ المشاهد وغيرهم ممَّن له اسمٌ ثابت بالدِّيون
وقد جاء في سنن أبي داود [ ح 1134 ] من حديث أنس رضي الله عنه قال " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال : ما هذان اليومان ؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أبدلكم بهما خيراً منهما ، يوم الأضحى ويوم الفطر " .
قال ابن تيمية " فوجه الدلالة : أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة ، بل قال : إن الله أبدلكم بهما يومين آخرين ، والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه ، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه .. " إلى أن قال " فالعيد يجمع أموراً : منها : يوم عائد ، كيوم الفطر ويوم الجمعة . ومنها : اجتماع فيه . ومنها : أعمال تتبع ذلك ، من العبادات والعادات ، وقد يختص العيد بمكان بعينه ، وقد يكون مطلقاً ، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيداً .
* فالزمان : كقوله صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة (( إن هذا يوم جعلـه الله للمسلمين عيداً )) .
* والاجتماع والأعمال : كقول ابن عباس " شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
* والمكان : كقوله صلى الله عليه وسلم (( لا تتخذوا قبري عيداً )) .
وقد يكون لفظ العيد اسماً لمجموع اليوم والعمل فيه ، وهو الغالب ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم (( دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيداً وإن هذا عيدنا )) انتهى . انظر الاقتضاء [ 1 / 432 - 442 ] .
3-الإحتفال بالمولد تشريع مضاهي لتشريع الله تعالى:
قال الله تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)(الشورى: من الآية21) فأين الأذن من الله بعمل هذا العمل المحدث؟ قال الله تعالىثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الجاثـية:18) فالأحكام التشريعية لا تؤخذ إلا من طريق واحد هو طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان سواء ذلك فهو تشريع باطل محدث لا يقبل.
والاحتفال بالمولد النبوي إن كان ديناً فلا بد أن يذكره الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن لم يذكره الله تعالى فهو ليس من الدين، فالدين قد كُمل ، ولم يقبض الله نبيه إلا وقد بيّن لها دينهم كاملاً كما قال تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)(المائدة: من الآية3) وقال تعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (التوبة:115) وجاء في حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل على أمته على خير ما يعلمه لهم وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم" رواه مسلم وهو القائل :" تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك "
4-.إن فعل المولد غلو مذموم في شخص النبي صلى الله عليه وسلم ومن أعظم الذرائع المؤدية للشرك الأكبر وهو الكفر المخرج من الملة لأن الغلو في الصالحين كان سبب وقوع الأمم السابقة في الشرك وعبادة غير الله عز وجل.
وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع الموصلة للشرك .
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو". وهذا عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال.
5-إن فيه قدحا في من سبقنا من الصحابة ومن أتى بعدهم بأننا أكثر محبة للنبي صلى الله عليه وسلم منهم ، وأنهم لم يوفوه حقه من المحبة والاحترام؛ لأن فاعلي المولد يقولون عن الذين لا يشاركونهم أنهم لا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم وهذه التهمة منصرفة إلى أصحابه الأطهار الذين فدوه بأرواحهم وبآبآءهم وأمهاتهم رضي الله عنهم وأرضاهم .
6-إن في هذه الموالد والتي كثرت وانتشرت حتى وصلت في بعض الأشهر أن يحتفلوا بثمان وعشرين مولدا أن فيها من استنفاد الطاقات والجهود والأموال وإشغال الأوقات وصرف للناس عن ما يكاد لهم من قبل أعدائهم فتصبح كل أيامهم رقص وطرب وموالد فمتى يتفرغون لتعلم دينهم ومعرفة ما يخطط لهم من قبل أعدائهم؟ ولهذا لما جاء المستعمرون للبلاد الإسلامية حاولوا القضاء على كل معالم الإسلام وصرف الناس عن دينهم ومحاولة إشاعة الرذيلة بينهم وما كان من تصرفات المسلمين فيه مصلحة لهم وفت في عضد المسلمين وإضعاف لشانهم فإنهم باركوه وشجعوه مثل الملاهي والمحرمات ونحوها ومن ذلك البدع المحدثة التي تصرف الناس عن معالم الإسلام الحقيقية مثل بدعة المولد وغيرها من الموالد ، بل مثل هذه البدع من أسباب تخلف المسلمين وعدم تقدمهم على غيرهم .
يقول السيد رشيد رضا في المنار (2/74-76):" فالموالد أسواق الفسوق فيها خيام للعواهر وخانات للخمور ومراقص يجتمع فيها الرجال لمشاهدة الراقصات المتهتكات الكاسيات العاريات ومواضع أخرى لضروب من الفحش في القول والفعل يقصد بها إضحاك الناس ....(إلى أن قال ): فلينظر الناظرون إلى أين وصل المسلمون ببركة التصوف واعتقاد أهله بغير فهم ولا مراعاة شرع اتخذوا الشيوخ أنداداً وصار يقصد بزيارة القبور والأضرحة قضاء الحوائج وشفاء المرضى وسعة الرزق بعد أن كانت للعبرة وتذكرة القدوة وصارت الحكايات الملفقة ناسخة فعلا لما ورد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على الخير. ونتيجة لذلك كله أن المسلمين رغبوا عما شرع الله إلى ما توهموا أنه يرضي غيره ممن اتخذوهم أنداداً وصاروا كالإباحيين في الغالب فلا عجب إذا عم فيهم الجهل واستحوذ عليهم الضعف وحرموا ما وعد الله المؤمنين من النصر؛ لأنهم انسلخوا من مجموع ما وصف الله به المؤمنين ولم يكن في القرن الأول شيء من هذه التقاليد والأعمال التي نحن عليها بل ولا في الثاني ولا يشهد لهذه البدع كتاب ولا سنة وإنما سرت إلينا بالتقليد أو العدوى من الأمم الأخرى ، إذ رأى قومنا عندهم أمثال هذه الاحتفالات فظنوا أنهم إذا عملوا مثلها يكون لدينهم عظمة وشأن في نفوس تلك الأمم فهذا النوع من اتخاذ الأنداد كان من أهم أسباب تأخر المسلمين وسقوطهم فيما سقطوا فيه ".أ.هـ
7ـ ومما يؤيِّدُ عدمَ شرعيَّة الاحتفال بيوم المولدِ هو اختلافُ أهلِ السِّيَر والتَّواريخ في تعيين شهرِ وليلةِ ولادتِه صلى الله عليه وسلم على أقوالٍ كثيرةٍ[23].
وعلى القول المشهور أنَّ ولادته صلى الله عليه وسلم كانت في شهر ربيع الأوّل ليلةَ ثِنتي عشرة، يقابلُه أنَّ وفاتَه صلى الله عليه وسلم كانت في ذلك الشَّهر وفي تلكَ اللَّيلة، ولا شكَّ أنَّ وفاتَه صلى الله عليه وسلم كانت أعظمَ المصائب على وجهِ الأرض، فعن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ـ أَوْ مِنَ المُؤْمِنِينَ ـ أُصِيبَ بمُصيبَة فلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنْ المُصِيبَةِ الَّتي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي»[24].
قال الفاكهانيُّ: «هذا مع أنَّ الشَّهر الذي وُلد فيه صلى الله عليه وسلم ـ وهو ربيع الأوَّل ـ هو بعينِه الشَّهر الذي تُوفي فيه، فليس الفرحُ بأولى من الحزن فيه».
قال ابنُ الحاج: «العجبُ العجيبُ كيفَ يعملون المولدَ بالمغاني والفرح والسّرور ـ كما تقدَّم ـ لأجل مولدِهِ صلى الله عليه وسلم في هذا الشَّهر الكريم، وهو صلى الله عليه وسلم فيه انتقل إلى كرامة ربِّه عزَّ وجلَّ وفُجِعتْ الأمة وأُصيبتْ بمُصابٍ عظيمٍ لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدًا، فعلى هذا كان يتعيَّن البكاءُ والحزنُ الكثيرُ، وانفراد كلّ إنسانٍ بنفسِه لما أصيب به، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليعزَّى المُسْلِمُونَ فِي مَصَائِبِهِمْ المُصِيبَة بِي» اهـ[25].
8 ـ أنَّ أكثر ما يُقصد من الاحتفال بالمولد هو إحياءُ الذِّكرى ـ كما يقولُون ـ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى في حقّه: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾، فلا يُذكَرُ اللهُ عزَّ وجلَّ إلاَّ ذُكر معه صلى الله عليه وسلم في التَّشهدِ، والأذانِ، والصَّلواتِ، والخطبِ وغيرِ ذلك، روى ابن جرير الطَّبريُّ عن قتادةَ في تفسير هذه الآية أنَّه قال: «رَفع اللهُ ذكرَه في الدّنيا والآخرة، فليس خطيبٌ ولا متشهِّدٌ، ولا صاحبُ صلاةٍ إلاَّ ينادي بها: أشهدُ أن لا إله إلاَّ الله وأشهدُ أنَّ محمّدًا رسولُ الله
فإذا كان صلى الله عليه وسلم يذكرُ في هذه المواطن الكثيرة على مدار الأيَّامِ والشُّهور، فما فائدةُ تخصيصِ ليلةٍ أو لياليَ معدودةٍ من ثلاثمائةٍ وستِّين يومٍ وليلةٍ بذكرهِ والاحتفالِ به، أليسَ في هذا جفاءٌ في حقِّه وبخلٌ في ذكرِه، فأين دعوى محبَّتِه صلى الله عليه وسلم وتعظيمِه؟!
9 ـ أنَّ في الاحتفالِ بالمولدِ مضاهاةً ومشابهةً لأهل الكتاب في أعيادِهم، كعيدِ ميلادِ المسيحِ عيسى ابن مريم ـ عليه السَّلام ـ عند النَّصارى.
وقد أُمِرْنا بمخالفتهم، ونُهِينا عن تقليدهم والتَّشبهِ بهم ، فعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا: يَا رسولَ الله، اليهود والنَّصارى؟ قَالَ: «فَمَنْ؟!»[27].
وعن ابن عمر رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَشَبَّه بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»[28].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «فيه دلالةٌ على النَّهي الشَّديدِ والتَّهديدِ والوعيدِ على التَّشبه بالكفَّار في أقوالهم وأفعالهم ولباسِهم وأعيادِهم وعباداتِهم وغيرِ ذلك من أمورِهم الَّتي لم تُشْرع لنا ولا نُقَرُّ عليها»[29].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وهذا الحديثُ أقلُّ أحوالِه أن يقتضيَ تحريمَ التَّشبهِ بهم، وإن كان ظاهرُه يقتضِي كفرَ المتشبِّه بهم، كما في قوله: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: 51]» اهـ[
والإحتفال بالمولد من خصائص النصارى ومن دينهم وليس من ديينا في شيء لأنه لم يأتي دليل عليه لا من كتاب وال من سنة ولا من فعل السلف الصالح ألبتة.
10 ـ إضافةً إلى ما تقدَّم، ما يحدثُ ليلةَ الاحتفال من المعاصي والمنكراتِ من جانبِ أهلِ اللَّهو والمجونِ، ومن البدعِ والشركيَّاتِ من جانب أهل الزُّرَدِ والصُّحُون.
كإنشادِ القصائدِ والمدائحِ النَّبويَّة، وقراءةِ المؤلَّفاتِ الموضُوعةِ في الموالدِ المشتمِلَة على الغُلوِّ والإطرَاء الَّذي نهى عنه نبيُّنا صلى الله عليه وسلم بقولِه: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَم، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه»[31].
بل بلغَ بهم الحدُّ إلى الاستغاثةِ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وادِّعاءِ معرفتِه للغيبِ، إلى غيرِ ذلك ممَّا اشتمَلت عليه قصائدُهم ومصنَّفاتُهم من البدعيَّات والشِّركيَّات، وإلى الله المشتكى
الفصل الخامس : أقوال علماء الأمة في بدعة المولد
1- الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي المشهور بالفاكهاني المالكي رحمه الله:
قال: (لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون.. إلخ) [السنن والمبتدعات (ص: 143)].
2- الإمام ابن الحاج رحمه الله:
قال: (فصل في المولد: ومن جملة ما أحدثوه من البدع، مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات وأظهر الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد وقد احتوى على بدع ومحرمات جملة) [المدخل: (2/ 2-10)].(1)
3- الإمام أبو عمرو بن العلاء رحمه الله:
قال: (لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب - هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه رسول الله وهو ربيع الأول هو بعينه الشهر الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه، وهذا ما علينا أن نقول، ومن الله تعالى نرجو حسن القبول) [الحاوي للسيوطي (1/ 190)].
4- العلامة أبو عبد الله محمد المحضار رحمه الله:
قال: (ليلة المولد لم يكن السلف الصالح يجتمعون فيها للعبادة ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة؛ لأن النبي لا يعظم إلا بالوجه الذي شرع به تعظيمه..) [المعيار المعرب والجامع المغرب (ص: 99- 101)].
5- الشيخ نصير الدين المبارك الشهير بابن الطباخ رحمه الله:
قال: (ليس عمل المولد من السنن).
6- الحافظ أبو زرعة العراقي رحمه الله:
قال: (لا نعلم ذلك -أي عمل المولد- ولو بإطعام الطعام عن السلف) [تشنيف الآذان (ص: 136)].
7- الإمام الشاطبي المالكي رحمه الله:
فقد عد أنواع البدع ومنها (اتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، وذمه المولد) [الاعتصام (ص: 34)].
8- ظهير الدين جعفر التزمنتي رحمه الله:
قال: (عمل المولد لم يقع في الصدر الأول من السلف الصالح مع تعظيمهم وحبهم له -أي النبي- إعظاماً ومحبة لا يبلغ جمعنا الواحد منهم ولا ذرة منه).
9- شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
قال: (وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية، كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر من ذي الحجة، وأول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف، ولم يفعلها، والله سبحانه وتعالى أعلم) [مجموع الفتاوى (25/ 298)].
10- الشيخ محمد عبد السلام خضر الشقيري رحمه الله:
قال: (فاتخاذ مولده موسماً والاحتفال به بدعة منكرة، وضلالة لم يرد بها شرع ولا عقل، ولو كان في هذا خير كيف يغفل عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة والتابعون وتابعوهم والأئمة وأتباعهم) [السنن والمبتدعات بالأذكار والصلوات (ص: 138)].
11- السيد علي فكري:
قال: (لم يكن في سنة العرب أن يحتفلوا بتاريخ ميلاد لأحد منهم، ولم تجر بذلك سنة المسلمين فيما سلف، والثابت في كتب التاريخ وغيرها أن عادة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من العادات المحدثة) [المحاضرات الفكرية (ص: 128)].
12- الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله:
قال: (هذه الموالد بدعة بلا نزاع، وأول من ابتدع الاجتماع لقراءة قصة المولد أحد ملوك الشراكسة بمصر) [المنار (17/ 111)].
13- العلامة الألباني رحمه الله:
قال: (ونحن -وإياهم- مجمعون على أن هذا الاحتفال أمر حادث لم يكن، ليس فقط في عهده صلى الله عليه وسلم، بل ولا في عهد القرون الثلاثة، ومن البدهي أن النبي في حياته لم يكن ليحتفل بولادة إنسان ما إنما هي طريقة نصرانية مسيحية لا يعرفه الإسلام مطلقاً في القرون المذكورة..) [من شريط بدعة المولد].
14- الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
قال: (لا شك أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من البدع المحدثة بعد أن انتشر الجهل في العالم الإسلامي، وصار للتضليل والإضلال والوهم والإيهام مجال عميت فيه البصائر، وقوي فيه سلطان التقليد الأعمى، وأصبح الناس في الغالب لا يرجعون إلى ما قام عليه الدليل على مشروعيته، وإنما يرجعون إلى ما قاله فلان وارتضاه علان، فلم يكن لهذه البدعة المنكرة أثر يذكر لدى أصحاب رسول الله، ولا لدى التابعين وتابعيهم... إلخ) [فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (3/ 54)].
15- شيخ الإسلام ابن باز رحمه الله:
قال: (وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه وتعالى لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به.. حتى أتى هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في دين الله) [التحذير من البدع (4- 5)].
16- العلامة محمد بن عبد اللطيف رحمه الله:
قال: (إن عمل المولد من البدع المنكرات والأعمال المنكرات) [الدرر السنية (8/ 285)].
17- الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله:
قال: (وأنكر الإمام محمد بن عبد الوهاب ما كان عليه الناس في تلك البلاد وغيرها من تعظيم الموالد والأعياد الجاهلية، التي لم ينزل الله بها سلطاناً، ولم ترد به حجة شرعية ولا برهان، لأن ذلك فيه مشابهة للنصارى الغالين في أعيادهم الزمانية والمكانية، وهو باطل مردود في شرع سيد المرسلين) [مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (ص: 44)].
18- العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
قال: (الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل التقرب إلى الله وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم عبادة، وإذا كان عبادة فإنه لا يجوز أبداً أن يحدث في دين الله ما ليس منه، فالاحتفال بالمولد بدعة محرمة) [مجلة المجاهد (عدد/ 22)].
19-الشيخ العلامة حمود التويجري رحمه الله:
قال: (فالذين يتخذون المولد عيداً ليسوا من الذين ترجى لهم المثوبة على هذه البدعة، وإنما هم من الذين تخشى عليهم العقوبة على مخالفتهم للأمر الذي كان عليه رسول الله وأصحابه) [الرد القوي على الرفاعي والمجهول ابن علوي (ص: 223)].
20- الشيخ علي محفوظ من كبار علماء مصر رحمه الله:
قال: (قيل: أول من أحدثها -أي الموالد- بالقاهرة الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي...) [الإبداع في مضار الابتداع (ص: 251)].
21-العلامة عبد الله بن حميد رحمه الله:
قال: (فالمقيمون لتلك الحفلات وإن قصدوا بها تعظيمه صلى الله عليه وسلم فهم مخالفون لهديه، مخطئون في ذلك، إذ ليس من تعظيمه أن تبتدع في دينه بزيادة أو نقص أو تغيير أو تبديل، وحسن النية وصحة القصد لا يبيحان الابتداع في الدين) [الرسائل الحسان في نصائح الإخوان للشيخ ابن حميد (ص: 39)].
22- العلامة الفوزان حفظه الله:
قال: (وإذا عرضنا الاحتفال بالمولد النبوي فلم نجد له أصلاً في سنة رسول الله، ولا في سنة خلفائه الراشدين، إذاً فهو من محدثات الأمور، ومن البدع المضللة) [حقوق النبي بين الإجلال والإخلال (ص: 139)].
23- العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله:
قال: (الاحتفال بالموالد وتخصيصها بذكر أو دعاء أو أناشيد أو دف أو صلاة أو أي عبادة أو شعار يتخذ فيها إعلاماً بهذا اليوم: يوم المولد، سواء كان مولد نبي أو ولي أو من تدعى ولايته، كالرفاعي والبدوي والبيومي والدسوقي وغيرهم في جل أصقاع العالم الإسلامي أو عظيم من الولاة أو العلماء أو ما يتخذه بعض الناس من اتخاذ عيد لمولده بمناسبة إطفاء ثلاثين شمعة، أي مضي ثلاثين سنة، وهكذا في كل عام، كل هذا بدعة ضلالة، ومنكر يجب إنكاره، ولا عهد لأمة محمد صلى الله عليه وسلم به قبل اتخاذ العبيدين في عام (362) مولد النبي صلى الله عليه وسلم، إبان حكمهم بمصر، ثم امتد إحداثهم للأعياد حتى جعلوا في كل يوم عيداً للنبي صلى الله عليه وسلم على مدار العام، ثم انتقلت هذه إلى بعض أهل السنة، ووقع بسببه معارك كلامية، وافتراءات على من أنكر هذه البدعة وأنه يبغض النبي صلى الله عليه وسلم وحاشاهم) [تصحيح الدعاء (ص: 110- 111)].
الفصل السادس : إعتراف القائلين بجواز الاحتفال أنه من المحدثات (وكفى بها حجة).
هناك من المستحسنين لهذه البدعة من يقر ويعترف بأن الاحتفال بالمولد أمر محدث، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته من بعده يفعلونه.
ومن هؤلاء:
1- السيوطي:
حيث قال: (أول من أحدث فعل ذلك -أي: الاحتفال بالمولد- صاحب إربل الملك المظفر) [حسن المقصد ضمن الحاوي للفتاوى (1/ 189)].
2- السخاوي:
حيث قال: (أصل عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعدها بالمقاصد الحسنة) [نقلاً من المورد الروي في المولد النبوي لملا علي قاري (ص: 12)].
3- أبو شامة:
حيث يقول: (ومن أحسن ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل: ما كان بمدينة إربل جبرها الله تعالى كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور) [الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص: 95)].
4- محمد علوي مالكي:
حيث يقول: (فالاحتفال بالمولد وإن لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم، فهو بدعة ولكنه حسنة) [حول الاحتفال بالمولد (ص: 19)].
5- يوسف الرفاعي:
حيث يقول: (إن اجتماع الناس على سماع قصة المولد النبوي الشريف، أمر مستحدث بعد عصر النبوة، بل ما ظهر إلا في أوائل القرن السادس الهجري) [الرد المحكم المنيع (ص: 153)].
وبهذه النقولات يتضح جلياً أن السلف الصالح لم يحتفلوا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن تركهم إياه إلا لكونه لا خير فيه.
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
الفصل السابع : طرق أهل البدع في الاستدلال لبدعهم
عامة أهل البدع لابد أن يوردوا على بدعهم أدلة وحججاً يشبهون بها على الناس ، وهي لا تعدو – غالباً – أن تكون :
1 – أدلة من الكتاب والسنة ، لكنها عامة أو مطلقة لا تصلح لأن يستدل بها على خصوص تلك البدعة .
2 – أدلة من الكتاب والسنة ، لكنها من المتشابه الذي يجب رده إلى المحكم .
3 – أدلة من الكتاب والسنة ، لكنها تدل على عكس ما استدلوا عليه .
4 – أدلة من السنة ، لكنها ضعيفة لا تصلح للاستدلال بها على شيء ، لشدة ضعفها ونكارتها ، وربما تكون مكذوبة أو لاأصل لها .
5 – القياس على الأدلة الثابتة ، وهذا كثير لدى المبتدعة .
6 – القياس على آثار الصحابة وأفعال السلف ، وهذا أقل من سابقه .
7 – الاستدلال بأقوال الرجال ، من العلماء والفقهاء والشيوخ والوعاظ وغيرهم ، وهذا مشتهر عند المبتدعة ، ومن أكثر ما يتعلقون به .
8 – الاستدلال بكثرة من يفعلها من العامة ، وهذا من أقــوى ما يستدلون به ويتكثرون بــه .
9 – القياس على البدع الأخرى المشهورة ، التي ســكت عن إنكارهــا أكثــر أهل العلم ، عجزاً أو خوفاً ، وهذا في الواقع ، لا يلجأون إليه إلا عند المناظرة والمحاجـّة لإسكات المنكرين عليهم .
قلت : وسأشرع الآن في ذكر بعض ما استدل به المؤيدون " للمولد " ، والجواب عليه ، وسأختصر الكلام منعاً للإطالة.
الفصل الثامن : كشف الشبهات ورد الإعتراضات:
الشبهة الأولى :: :قوله تعالى: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ))
]يونس:58[.
حيث يفسر بعضهم الرحمة هنا بالرسول صلى الله عليه وسلم!
والجواب
:أولا :إن حصر فضل الله ورحمته في ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم غير صحيح ، بل المشهور في معنى الآية وتفسيرها أعم من ذلك ، فقيل : فضل الله الإسلام ورحمته القرآن ، وقيل العكس ، والآية عامة في كل ما يعد من فضل الله على الأمة ، وأعظمها الهداية إلى الإيمان وعلى هذا سار
كبار المفسرين، كابن جرير وابن كثير والبغوي و القرطبي وابن العربي وغيرهم، ولم يكن في تفسير واحد منهم أن المقصود بالرحمة في هذه الآية
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما المقصود بالفضل والرحمة المفروح بهما ما عنته الآية السابقة لهذه الآية، وهو قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ))[يونس:57[ ذلك هو القرآن الكريم.
فقد قال ابن كثير في "تفسيره" (2/421): ( ((وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ))[يونس:57[ أي: يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى، وإنما ذلك للمؤمنين به، والمصدقين الموقنين بما فيه، كقوله تعالى: ((وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً))
]الاسراء:82[ وقوله: ((قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ))[فصلت:44[ وقوله: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ))[يونس:58[ أي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق، فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به) اهـ.
وقال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بك، وبما أنزل
إليك من عند ربك: بفضل الله؛ أيها الناس الذي تفضل به عليكم وهو الإسلام، فبينه لكم
ودعاكم إليه، وبرحمته التي رحمكم بها فأنزلها إليكم، فعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه،
فبصركم بها معالم دينكم؛ وذلك القرآن.
((فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)) يقول: فإن الإسلام الذي دعاهم إليه والقرآن الذي أنزله عليهم، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وأموالها وكنوزها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل) اهـ.
وقال القرطبي: :قال أبو سعيد الخدري و ابن عباس رضي الله عنهما: (قل فضل الله القرآن، ورحمته الإسلام)، وعنهما أيضا: (فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله).
وعن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة: (فضل الله الإيمان ورحمته القرآن) على العكس من القول الأول) اهـ).
وقد قال ابن القيم - رحمه الله - في "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة
والجهمية "(ص38) في تفسير قوله تعالى: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)):
(وقد دارت أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته - أي في هذه الآية - الإسلام والسنة) اهـ.
ولا ريب أن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته للأمة ، إنما هي من فضل الله ورحمته على الناس كافة ، ولكن ما دخل هذا بالاحتفال بذكرى المولد ؟ ومن قال إن الفرح بمولده لايحصل إلا بإحياء مثل هذه البدع ؟ ولِمَ لم يفهم الصحابة ، بل حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الآية هذا المعنى الذي فهمه المحتفلون بالمــولد؟ .
ثم إن القرآن ذكر لنا حوادث أخرى يفرح بها المؤمنون ، ومنها قوله تعالى { ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله } والمفسرون ذكروا أنها تعني فرح الصحابة بيوم بدر ، ولا ريب أنهم فرحوا بذلك النصر وبغيره في مواطن كثيرة ، ولكنهم لم يتخذوا شيئاً من تلك الحوادث عيداً يتكرر كل عام .
ونقول أيضاً : إننا نخشى على أهل البدع من فرح آخر ذمه الله تعالى في كتابه فقـال { فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله } فكل من خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته ، واقتحم البدع التي حذر منها ونهى عنها ، ثم فرح بذلك فإنه داخل في معنى هذه الآية ، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
وأولى الناس فرحاً بفضل الله وبرحمته هم أهل السنة الذين لم يتجاوزوا ما شرع الله لهم من القول والعمل .
ثانيا : (إن الرحمة للناس لم تكن بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كانت ببعثه وإرساله إليهم، وعلى هذا تدل النصوص من الكتاب والسنة.
أما الكتاب فقول الله تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ))[الانبياء:107[ فنص على أن الرحمة للعالمين إنما كانت في إرساله صلى الله عليه وسلم، ولم يتعرض
إعداد: جمال البليدي-ستر الله عيوبه-
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:فقد كثر الكلام عن الاحتفال بالمولد وحكمه في الإسلام ما بين مجيز وبين محرم لهذا ارتئيت أن أقوم ببحث حول المسألة حيث أنني رجعت لمن كتب قبلي من بحوث ورسائل وقد اعتمدت كثيرا على بحث أخونا أبو معاذ السلفي والأخ بشير أبو عبد الرحمان وكذلك كتاب المولد للشيخ سمير المالكي كما أضفت بعض المسائل والردود على بعض الشبهات الجديدة هذا مع الأخد بعين الإعتبار أنني لا أتحدث عن المولد الذي يعم بالمنكرات والمفاسد فهذا لا يختلف فيه اثنان إنما أتحدث عن أصله وقد فصت هذا البحث إلى ثمانية فصول :
الفصل الأول :بيان أن المولد النبوي لم يقع من السلف الصالح وأنه من البدع المحدثة .
الفصل الثاني :إثبات أن الفاطميين أول من احتفل بالموالد.
الفصل الثالث : بيان كذب من يزعم أن من ينكر الاحتفال بالمولد بأنه مبغضللرسول صلى الله عليه وسلم ومكفر لمن يحضر ذلك الاحتفال.
الفصل الرابع:المولدُ النَّبوي بين الاتّباع والابْتداع.
الفصل الخامس : أقوال علماء الأمة في بدعة المولد.
الفصل السادس : : إعتراف القائلين بجواز الاحتفال أنه من المحدثات (وكفى بها حجة).
الفصل السابع :طرق أهل البدع في الاستدلال لبدعهم.
الفصل الثامن :كشف الشبهات ورد الاعتراضات
الفصل الأول :
بيان أن الاحتفال بالمولد النبوي لم يقع من السلف الصالح وأنه من البدع
اتفق أهل العلم ممن قال بجواز الاحتفال بالمولد ومن قال بعدم جواز الاحتفال به على أن السلف الصالح رضي الله عنهم لم يحتفلوا به ومن تصريحاتهم بذلك ما يلي:
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن الاحتفال بالمولد النبوي في "اقتضاء الصراط المستقيم"(2/619): (لم يفعله السلف، مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضا، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنّته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار،والذين اتبعوهم بإحسان) اهـ.
2- قال الإمام تاج الدين عمر بن سالم اللخمي المشهور بالفاكهاني- رحمه الله - في "المورد في عمل المولد"(ص20-21): (لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة).
3- قال العلامة ابن الحاج - رحمه الله - في "المدخل" (2/312) نقلاً من "القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل" للعلامة الأنصاري رحمه الله (ص57): (فإن خلا - أي عمل المولد- منه - أي من السماع - وعمل طعاماً فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الاخوان،
وسلم من كل ما تقدم ذكره - أي من المفاسد- فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ إن ذلك زيادة
في الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً له ولسنته صلى الله عليه وسلم، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم... الخ).
4- قال العلامة عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - في "حكم الاحتفال بالمولد النبوي وغيره" ضمن "أربع رسائل في التحذير من البدع" (ص3): (الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله - أي المولد النبوي -، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعه ممن بعدهم... الخ).
5- وقال الشيخ محمد بن عبد السلام الشقيري في "السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات" (ص138-139): (فاتخاذ مولده موسماً والاحتفال به بدعة منكرة ضلالة لم يرد بها شرع ولا عقل، ولو كان في هذا خير كيف يغفل عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة والتابعون وتابعوهم والأئمة وأتباعهم؟).
وفيما يلي أنقل أقوالاً لبعض من يرى مشروعية الاحتفال بالمولد يتضح من خلالها كذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بالمولد وأنه لم يكن من فعل السلف:
1- قال السيوطي - رحمه الله - في "حسن المقصد"ضمن "الحاوي للفتاوى" (1/189):
(أول من أحدث فعل ذلك - أي فعل المولد- صاحب إربل الملك المظفر).
2- قال أبو شامة - رحمه الله - في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص95):
(ومن أحسن! ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل: ما كان يفعل بمدينة إربل جبرها الله تعالى كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور... الخ).
3- قال الإمام السخاوي - رحمه الله - نقلاً من "المورد الروي في المولد النبوي" لملا علي قارى (ص12): (أصل عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعدها بالمقاصد الحسنة).
4- قال محمد بن علوي المالكي في "حول الاحتفال بالمولد" (ص19): (فالاحتفال بالمولد وإن لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم، فهو بدعة، ولكنها حسنة لاندراجها تحت الأدلة الشرعية،والقواعد الكلية).
5- قال يوسف الرفاعي في "الرد المحكم المنيع" (ص153): (إن اجتماع الناس على سماع قصة المولد النبوي الشريف، أمر استحدث بعد عصر النبوة، بل ما ظهر إلا في أوائل القرن السادس الهجري)!.
(وبهذه النقول يتضح أن السلف الصالح لم يحتفلوا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بل تركوه، وما تركوه
لا يمكن أن يكون تركهم إياه إلا لكونه لا خير فيه كما أوضحه ابن الحاج في "المدخل"
(4/278)؛ حيث قال بصدد استنكاره لصلاة الرغائب ما نصه: (ما حدث بعد السلف رضي الله عنهم لا يخلو إما أن يكونوا علموه وعلموا أنه موافق للشريعة ولم يعملوا به؟!
ومعاذ الله أن يكون ذلك، إذ إنه يلزم منه تنقيصهم وتفضيل من بعدهم عليهم، ومعلوم أنهم
أكمل الناس في كل شيء وأشدهم اتباعاً.
وإما أن يكونوا علموه وتركوا العمل به؟ ولم يتركوه إلا لموجب أوجب تركه، فكيف يمكن فعله؟! هذا مما لا يتعلل.
وإما أن يكونوا لم يعلموه فيكون من ادعى علمه بعدهم أعلم منهم وافضل واعرف بوجوه البر وأحرص عليها!
ولو كان ذلك خيراً لعلموه ولظهر لهم ومعلوم أنهم أعقل الناس وأعلمهم…الخ).
وفيه دليل من ناحية أخرى على أن ما تركه السلف الصالح لابد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تركه وتركه صلى الله عليه وسلم للشيء مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه سنة كما ان فعله سنة فمن استحب فعل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم كان كمن استحب ترك ما فعله ولا فرق).
ولا يقول قائل ما هو الدليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم لم يحتفلوا بالمولد لأنه لو وقع لنقل إلينا، ولذكره من يحتفل بالمولد النبوي لأن الحجة تكون حينئذ أقوى.
ومما يدل كذلك على أن السلف الصالح لم يحتفلوا بيوم المولد النبوي اختلافهم في تحديد اليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بسط الكلام على ذلك الخلاف الإمام ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/260 - 261).
الفصل الثاني:
إثبات أن الفاطميين أول من احتفل بالموالد
وهذا الفصل مختصر من "القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل" للعلامة إسماعيل الأنصاري رحمه الله (ص64-72):
1 - قال تقي الدين المقريزي - رحمه الله - في "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"
(1/490)؛ تحت عنوان "ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم": (كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي موسم رأس السنة وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه...) اهـ.
2 - وقال مفتي الديار المصرية سابقاً الشيخ محمد بن بخيت المطيعي في "أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام" (ص44): (مما أحدث وكثر السؤال عنه الموالد، فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله.. الخ).
3 - وقال الشيخ علي محفوظ - رحمه الله - وهو من كبار علماء مصر- في "الإبداع في
مضار الابتداع" (ص251): (قيل أول من أحدثها - أي الموالد- بالقاهرة الخلفاء الفاطميون
في القرن الرابع، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد الإمام علي رضي الله عنه، ومولد السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ومولد الحسن والحسين رضي الله عنهما، ومولد
الخليفة الحاضر... الخ).
4 - وقال الدكتوران حسن إبراهيم حسن مدير جامعة أسيوط سابقاً وطه أحمد شرف مفتش المواد الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم في كتابهما "المعز لدين الله" (ص284) تحت عنوان "الحفلات والأعياد": (ان المعز كان يشترك مع رعاياه في الاحتفال بعيد رأس السنة الهجرية، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، وليلة أول رجب ونصفه، وأول شعبان ونصفه، وموسم غرة رمضان، حتى لا يثير نفوس السنيين! ويقرب مسافة الخلف بين المبادئ السنية والعقائد الشيعية!! وكذلك كان المعز لدين الله يستغل هذه الأعياد التي كان زخر بها عهده في نشر خصائص المذهب الإسماعيلي وعقائده!! لذلك كان يحتفل بيوم عاشوراء ليحيي فيها ذكرى الحسين رضي الله عنه، كما كان يحي ذكرى مولد كثير من الأئمة، وذكرى مولد الخليفة القائم بالأمر، وهكذا اتخذ المعز من الاحتفال بهذه الأعياد وسيلة لجذب رعاياه إليه ونشر مبادئ المذهب الإسماعيلي) اهـ.
الفصل الثالث:
بيان كذب من يزعم أن من ينكر الاحتفال بالمولد بأنه مبغض
للرسول صلى الله عليه وسلم ومكفر لمن يحضر ذلك الاحتفال
لقد أشاع الكثير ممن يقيمون الاحتفال بالمولد النبوي أن من ينكر هذا الاحتفال إنما هو يكره الرسول صلى الله عليه وسلم!! وهذا من الكذب الصريح!
كما أشاعوا أن من ينكر ذلك الاحتفال يعتبره شركاً اكبر!
وأن من يحتفل بالمولد يعتبر مشركاً! وهذا أيضاً كذب صريح!!
وإليك أخي القارىء بعض أقوال أولئك المحتفلين حول هذا الأمر وبيان كذبهم في ذلك:
1- قال يوسف الرفاعي في "الرد المحكم المنيع" (ص15- 16) وهو يشير إلى مقال له نشره في جريدة السياسة الكويتية: (وكان عنوان وموضوع مقالي (الرد على الشيخ عبدالعزيز بن باز) عندما هاجم الاحتفال بالمولد النبوي واعتبره شركاً وبدعة … الخ).
2- قال راشد المريخي في "إعلام النبيل" (ص17- 18): (وإذا احتفل أحد بليلة مولده صلى الله عليه وسلم تعظيما له وإقامة لأبهة الإسلام قالوا: هذا مشرك … فنعوذ بالله من ناشئة تكفر الأمة بمدح النبي صلى الله عليه وسلم أو الاحتفال بمولده) انتهى باختصار.
ولبيان كذب أولئك أنقل فيما يلي بعض أقوال المنكرين للاحتفال بالمولد وتصريحهم أن إنكارهم للمولد هو بسبب انه بدعة وليس شركاً:
1- قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله - في "مجموع فتاوى ومقالات
متنوعة" (2/380): (كتبت منذ أيام مقالاً يتضمن جواب سؤال عن حكم الاحتفال بالمولد،
وأوضحت فيه أن الاحتفال بها من البدع المحدثة في الدين.
وقد نشر المقال في الصحف المحلية السعودية وأذيع من الإذاعة.
ثم علمت بعد ذلك أن إذاعة لندن نقلت عني في إذاعتها الصباحية أني أقول بأن الاحتفال بالموالد كفر.
فتعين علي إيضاح الحقيقة للقراء فأقول إن ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية في إذاعتها الصباحية في لندن منذ أيام عني أني أقول بأن الاحتفال بالموالد كفر، كذب لا أساس له من الصحة وكل من يطلع على مقالي يعرف ذلك.
وإني لآسف كثيراً لإذاعة عالمية يحترمها الكثير من الناس ثم تقدم هي أو مراسلوها على الكذب الصريح.
وهذا بلا شك يوجب على القراء التثبت في كل ما تنقله هذه الإذاعة خشية أن يكون كذباً كما جرى في هذا الموضوع... الخ).
2- قال الشيخ أبو بكر الجزائري - حفظه الله - في "الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف" (ص76): (إن مثل هذه البدعة - أي بدعة الاحتفال بالمولد النبوي - لا تكفر فاعلها ولا من يحضرها، ووصم المسلم بالكفر والشرك أمر غير هين).
3- وقال أيضاً (ص5) من المصدر السابق: (يشاع بين المسلمين أن الذين ينكرون بدعة المولد هم أناس يبغضون الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يحبونه، وهذه جريمة قبيحة كيف تصدر من عبد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ إذ بغض الرسول صلى الله عليه وسلم أو عدم حبه كفر بواح لا يبقى لصاحبه أية نسبة إلى الإسلام والعياذ بالله تعالى) اهـ.
4- قال الشيخ علي بن حسن الحلبي - حفظه الله - في تعليقه على "المورد في عمل المولد" للفاكهاني (ص19): (يظن بعض الجهلة في زماننا أن الذين لا يجيزون عمل المولد والاحتفال به لا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ظن آثم، ورأي كاسد، إذ المحبة وصدقها تكون في الاتباع الصحيح للنبي صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ))[آل عمران:31[) اهـ.
الفصل الرابع
المولدُ النَّبوي
بين الاتّباع والابْتداع
.
والأدلة على بدعيَّة هذا العمل كثيرة نُجمل بعضها فيما يلي:
1 ـ أنَّه لم يرد في الكتاب ولا في السُّنَّة1.
قال العلَّامة تاج الدِّين الفاكهانيّ المالكيُّ (ت 734هـ) رحمه الله: «فقد تكرَّر سؤالُ جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعضُ النَّاس في شهر ربيع الأوَّل، ويسمُّونه المولد، هل له أصل في الشَّرع، أو بدعة وحَدَثٌ في الدِّين؟ وقصدوا الجواب عن ذلك مُبيَّنًا، والإيضاح عنه معيَّنًا.
فقلتُ وبالله التَّوفيق: لا أعلمُ لهذا المولدِ أصلاً في كتابٍ ولا سنَّةٍ، ولا يُنقلُ عملُه عن أحدٍ من علماءِ الأمَّة الَّذين همُ القدوةُ في الدِّين المتمسِّكون بآثار المتقدِّمين، بل هو بدعةٌ أحدثها البطَّالونَ، وشهوةُ نفسٍ اعتنى بها الأكَّالون»[8].
ولا شكَّ أنَّ مولد سيِّد الأنبياء والمرسلين نعمةٌ كبرى ومنَّةٌ عظمى، تفضَّل اللهُ تعالى به على الإنس والجنِّ، ومع ذلك لم ترد الإشارةُ إليه في كتاب الله، وإنَّمَا جاء الامتنان ببعثته صلى الله عليه وسلم لا بمولده كقوله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾[آل عمران: 164]، وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ﴾[الجمعة:2]، ومنه قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الرعد: 30]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
22ـ وأنَّه لم يعملْ به أحدٌ من الخلفاء الرَّاشدين والصَّحابةِ والتَّابعين لهم بإحسان، المشهودِ لهم بالخيريَّة، على لسانِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في قولِه: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»[12].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إنَّ هذا ـ أي اتخاذ المولد عيدًا ـ لم يفعلْه السَّلفُ مع قيامِ المقتَضِي له، وعَدمِ المانعِ منه»، قال: «ولو كان هذا خيرًا محضًا أو راجحًا لكان السَّلفُ رضي الله عنهم أحقَّ به منَّا، فإنَّهم كانوا أشدَّ محبَّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منَّا، وهم على الخير أحرصُ»[13].
ولما أراد الفاروق عمر رضي الله عنه أن يضع للمسلمين تاريخًا استشارَ في ذلك الصَّحابة رضي الله عنهم ، فاتَّفقتْ كلمتُهم على جعلِه من يومِ هجرتِه صلى الله عليه وسلم من مكَّة إلى المدينة.
فعن سَهلِ بن سَعْدٍ رضي الله عنه قال: «ما عَدُّوا من مبعثِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا من وفاته، ما عَدُّوا إلاَّ من مَقْدَمِه المدينةَ»[14].
وعن سَعيدِ بنِ المسيِّبِ قال: «جمع عُمَرُ النَّاسَ فسألهم من أيِّ يوم يُكتبُ التَّاريخُ؟ فقال عليٌّ: مِنْ يومِ هاجرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وتركَ أرضَ الشِّرك، ففعلَه عمرُ رضي الله عنه »[15].
قال الحافظُ ابن حَجر: «وقد أبدى بعضُهم للبَدَاءة بالهجرةِ مناسبةً، فقال: كانتْ القضايا التي اتَّفقتْ له ويُمكنُ أن يؤرَّخ بها أربعةٌ: مولدُه، ومبعثُه، وهجرتُه، ووفاتُه؛ فرجَحَ عندهُم جعلُها مِنَ الهجرةِ؛ لأنَّ المولدَ والمبعثَ لا يخلُو واحدٌ منهما من النِّزاع في تعيين السَّنةِ، وأمَّا وقتُ الوفاةِ فأعرضُوا عَنه لِمَا تُوُقِّعَ بذكرِه من الأسفِ عَليه، فانحصرَ في الهجرةِ»[16].
فأنت ترى ـ أخي القارئ ـ أنَّ الصَّحابة الكرام ـ رضوانُ الله عليهم ـ اتَّفقوا على وضْعِ التَّاريخ الإسلامي ابتداءً من تاريخِ الهجرة ، ومع ذلك لم يُنقل عنهم ولا عمَّن بعدَهم من أهل القُرون المفضَّلة أنَّهم اتَّخذوا ذلك الحَدَث الجَلَل عيدًا يحتفلُون به على رأسِ كلِّ سنةٍ، وإنَّما ابتدع الاحتفالَ به الرَّوافضُ من الخُلفاءِ الفاطميِّين في أواخرِ القرنِ الرَّابع الهجريِّ ـ بعد انقراضِ القرون الخيريَّة ـ قال العلَّامة المقريزيُّ رحمه الله: «وكان للخلفَاء الفاطميِّين في طول السَّنة أعيادٌ ومواسم، وهي: موسمُ رأس السَّنة، وموسم أوَّل العام، ويومُ عاشوراء، ومولدُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومولدُ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولدُ الحسن، ومولدُ الحسين، ومولدُ فاطمة الزَّهراء، ومولدُ الخليفة الحاضر...» إلخ أعيادهم البدعيَّة[17].
فأحدث الرَّافضة ـ قبَّحهم الله ـ هذه الأعيادَ التي منها: الاحتفال برأس السَّنة اقتداءً باليهود، والاحتفال بالمولد النَّبويِّ اقتداءً بالنَّصارى، وقد كانت عادتُهم عند الاحتفال بالمولد «أن يُعمل في دار الفطرة عشرون قنطارًا من السُّكر الفائقِ حلوى من طرائفِ الأصنافِ وتُعبَّى في ثلاثمائة صِينِيَّة نُحاس، فإذا كانَ ليلةُ ذلك المولد تُفرَّق في أربابِ الرُّسوم كقاضي القضاة وداعي الدُّعاة وقُرَّاء الحضرة والخطباء والمتصدِّرين بالجوامع بالقاهرة ومصر وقَوَمَةِ المشاهد وغيرهم ممَّن له اسمٌ ثابت بالدِّيون
وقد جاء في سنن أبي داود [ ح 1134 ] من حديث أنس رضي الله عنه قال " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال : ما هذان اليومان ؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أبدلكم بهما خيراً منهما ، يوم الأضحى ويوم الفطر " .
قال ابن تيمية " فوجه الدلالة : أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة ، بل قال : إن الله أبدلكم بهما يومين آخرين ، والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه ، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه .. " إلى أن قال " فالعيد يجمع أموراً : منها : يوم عائد ، كيوم الفطر ويوم الجمعة . ومنها : اجتماع فيه . ومنها : أعمال تتبع ذلك ، من العبادات والعادات ، وقد يختص العيد بمكان بعينه ، وقد يكون مطلقاً ، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيداً .
* فالزمان : كقوله صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة (( إن هذا يوم جعلـه الله للمسلمين عيداً )) .
* والاجتماع والأعمال : كقول ابن عباس " شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
* والمكان : كقوله صلى الله عليه وسلم (( لا تتخذوا قبري عيداً )) .
وقد يكون لفظ العيد اسماً لمجموع اليوم والعمل فيه ، وهو الغالب ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم (( دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيداً وإن هذا عيدنا )) انتهى . انظر الاقتضاء [ 1 / 432 - 442 ] .
3-الإحتفال بالمولد تشريع مضاهي لتشريع الله تعالى:
قال الله تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)(الشورى: من الآية21) فأين الأذن من الله بعمل هذا العمل المحدث؟ قال الله تعالىثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الجاثـية:18) فالأحكام التشريعية لا تؤخذ إلا من طريق واحد هو طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان سواء ذلك فهو تشريع باطل محدث لا يقبل.
والاحتفال بالمولد النبوي إن كان ديناً فلا بد أن يذكره الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن لم يذكره الله تعالى فهو ليس من الدين، فالدين قد كُمل ، ولم يقبض الله نبيه إلا وقد بيّن لها دينهم كاملاً كما قال تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)(المائدة: من الآية3) وقال تعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (التوبة:115) وجاء في حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل على أمته على خير ما يعلمه لهم وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم" رواه مسلم وهو القائل :" تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك "
4-.إن فعل المولد غلو مذموم في شخص النبي صلى الله عليه وسلم ومن أعظم الذرائع المؤدية للشرك الأكبر وهو الكفر المخرج من الملة لأن الغلو في الصالحين كان سبب وقوع الأمم السابقة في الشرك وعبادة غير الله عز وجل.
وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع الموصلة للشرك .
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو". وهذا عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال.
5-إن فيه قدحا في من سبقنا من الصحابة ومن أتى بعدهم بأننا أكثر محبة للنبي صلى الله عليه وسلم منهم ، وأنهم لم يوفوه حقه من المحبة والاحترام؛ لأن فاعلي المولد يقولون عن الذين لا يشاركونهم أنهم لا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم وهذه التهمة منصرفة إلى أصحابه الأطهار الذين فدوه بأرواحهم وبآبآءهم وأمهاتهم رضي الله عنهم وأرضاهم .
6-إن في هذه الموالد والتي كثرت وانتشرت حتى وصلت في بعض الأشهر أن يحتفلوا بثمان وعشرين مولدا أن فيها من استنفاد الطاقات والجهود والأموال وإشغال الأوقات وصرف للناس عن ما يكاد لهم من قبل أعدائهم فتصبح كل أيامهم رقص وطرب وموالد فمتى يتفرغون لتعلم دينهم ومعرفة ما يخطط لهم من قبل أعدائهم؟ ولهذا لما جاء المستعمرون للبلاد الإسلامية حاولوا القضاء على كل معالم الإسلام وصرف الناس عن دينهم ومحاولة إشاعة الرذيلة بينهم وما كان من تصرفات المسلمين فيه مصلحة لهم وفت في عضد المسلمين وإضعاف لشانهم فإنهم باركوه وشجعوه مثل الملاهي والمحرمات ونحوها ومن ذلك البدع المحدثة التي تصرف الناس عن معالم الإسلام الحقيقية مثل بدعة المولد وغيرها من الموالد ، بل مثل هذه البدع من أسباب تخلف المسلمين وعدم تقدمهم على غيرهم .
يقول السيد رشيد رضا في المنار (2/74-76):" فالموالد أسواق الفسوق فيها خيام للعواهر وخانات للخمور ومراقص يجتمع فيها الرجال لمشاهدة الراقصات المتهتكات الكاسيات العاريات ومواضع أخرى لضروب من الفحش في القول والفعل يقصد بها إضحاك الناس ....(إلى أن قال ): فلينظر الناظرون إلى أين وصل المسلمون ببركة التصوف واعتقاد أهله بغير فهم ولا مراعاة شرع اتخذوا الشيوخ أنداداً وصار يقصد بزيارة القبور والأضرحة قضاء الحوائج وشفاء المرضى وسعة الرزق بعد أن كانت للعبرة وتذكرة القدوة وصارت الحكايات الملفقة ناسخة فعلا لما ورد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على الخير. ونتيجة لذلك كله أن المسلمين رغبوا عما شرع الله إلى ما توهموا أنه يرضي غيره ممن اتخذوهم أنداداً وصاروا كالإباحيين في الغالب فلا عجب إذا عم فيهم الجهل واستحوذ عليهم الضعف وحرموا ما وعد الله المؤمنين من النصر؛ لأنهم انسلخوا من مجموع ما وصف الله به المؤمنين ولم يكن في القرن الأول شيء من هذه التقاليد والأعمال التي نحن عليها بل ولا في الثاني ولا يشهد لهذه البدع كتاب ولا سنة وإنما سرت إلينا بالتقليد أو العدوى من الأمم الأخرى ، إذ رأى قومنا عندهم أمثال هذه الاحتفالات فظنوا أنهم إذا عملوا مثلها يكون لدينهم عظمة وشأن في نفوس تلك الأمم فهذا النوع من اتخاذ الأنداد كان من أهم أسباب تأخر المسلمين وسقوطهم فيما سقطوا فيه ".أ.هـ
7ـ ومما يؤيِّدُ عدمَ شرعيَّة الاحتفال بيوم المولدِ هو اختلافُ أهلِ السِّيَر والتَّواريخ في تعيين شهرِ وليلةِ ولادتِه صلى الله عليه وسلم على أقوالٍ كثيرةٍ[23].
وعلى القول المشهور أنَّ ولادته صلى الله عليه وسلم كانت في شهر ربيع الأوّل ليلةَ ثِنتي عشرة، يقابلُه أنَّ وفاتَه صلى الله عليه وسلم كانت في ذلك الشَّهر وفي تلكَ اللَّيلة، ولا شكَّ أنَّ وفاتَه صلى الله عليه وسلم كانت أعظمَ المصائب على وجهِ الأرض، فعن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ـ أَوْ مِنَ المُؤْمِنِينَ ـ أُصِيبَ بمُصيبَة فلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنْ المُصِيبَةِ الَّتي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي»[24].
قال الفاكهانيُّ: «هذا مع أنَّ الشَّهر الذي وُلد فيه صلى الله عليه وسلم ـ وهو ربيع الأوَّل ـ هو بعينِه الشَّهر الذي تُوفي فيه، فليس الفرحُ بأولى من الحزن فيه».
قال ابنُ الحاج: «العجبُ العجيبُ كيفَ يعملون المولدَ بالمغاني والفرح والسّرور ـ كما تقدَّم ـ لأجل مولدِهِ صلى الله عليه وسلم في هذا الشَّهر الكريم، وهو صلى الله عليه وسلم فيه انتقل إلى كرامة ربِّه عزَّ وجلَّ وفُجِعتْ الأمة وأُصيبتْ بمُصابٍ عظيمٍ لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدًا، فعلى هذا كان يتعيَّن البكاءُ والحزنُ الكثيرُ، وانفراد كلّ إنسانٍ بنفسِه لما أصيب به، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليعزَّى المُسْلِمُونَ فِي مَصَائِبِهِمْ المُصِيبَة بِي» اهـ[25].
8 ـ أنَّ أكثر ما يُقصد من الاحتفال بالمولد هو إحياءُ الذِّكرى ـ كما يقولُون ـ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى في حقّه: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾، فلا يُذكَرُ اللهُ عزَّ وجلَّ إلاَّ ذُكر معه صلى الله عليه وسلم في التَّشهدِ، والأذانِ، والصَّلواتِ، والخطبِ وغيرِ ذلك، روى ابن جرير الطَّبريُّ عن قتادةَ في تفسير هذه الآية أنَّه قال: «رَفع اللهُ ذكرَه في الدّنيا والآخرة، فليس خطيبٌ ولا متشهِّدٌ، ولا صاحبُ صلاةٍ إلاَّ ينادي بها: أشهدُ أن لا إله إلاَّ الله وأشهدُ أنَّ محمّدًا رسولُ الله
فإذا كان صلى الله عليه وسلم يذكرُ في هذه المواطن الكثيرة على مدار الأيَّامِ والشُّهور، فما فائدةُ تخصيصِ ليلةٍ أو لياليَ معدودةٍ من ثلاثمائةٍ وستِّين يومٍ وليلةٍ بذكرهِ والاحتفالِ به، أليسَ في هذا جفاءٌ في حقِّه وبخلٌ في ذكرِه، فأين دعوى محبَّتِه صلى الله عليه وسلم وتعظيمِه؟!
9 ـ أنَّ في الاحتفالِ بالمولدِ مضاهاةً ومشابهةً لأهل الكتاب في أعيادِهم، كعيدِ ميلادِ المسيحِ عيسى ابن مريم ـ عليه السَّلام ـ عند النَّصارى.
وقد أُمِرْنا بمخالفتهم، ونُهِينا عن تقليدهم والتَّشبهِ بهم ، فعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا: يَا رسولَ الله، اليهود والنَّصارى؟ قَالَ: «فَمَنْ؟!»[27].
وعن ابن عمر رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَشَبَّه بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»[28].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «فيه دلالةٌ على النَّهي الشَّديدِ والتَّهديدِ والوعيدِ على التَّشبه بالكفَّار في أقوالهم وأفعالهم ولباسِهم وأعيادِهم وعباداتِهم وغيرِ ذلك من أمورِهم الَّتي لم تُشْرع لنا ولا نُقَرُّ عليها»[29].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وهذا الحديثُ أقلُّ أحوالِه أن يقتضيَ تحريمَ التَّشبهِ بهم، وإن كان ظاهرُه يقتضِي كفرَ المتشبِّه بهم، كما في قوله: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: 51]» اهـ[
والإحتفال بالمولد من خصائص النصارى ومن دينهم وليس من ديينا في شيء لأنه لم يأتي دليل عليه لا من كتاب وال من سنة ولا من فعل السلف الصالح ألبتة.
10 ـ إضافةً إلى ما تقدَّم، ما يحدثُ ليلةَ الاحتفال من المعاصي والمنكراتِ من جانبِ أهلِ اللَّهو والمجونِ، ومن البدعِ والشركيَّاتِ من جانب أهل الزُّرَدِ والصُّحُون.
كإنشادِ القصائدِ والمدائحِ النَّبويَّة، وقراءةِ المؤلَّفاتِ الموضُوعةِ في الموالدِ المشتمِلَة على الغُلوِّ والإطرَاء الَّذي نهى عنه نبيُّنا صلى الله عليه وسلم بقولِه: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَم، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه»[31].
بل بلغَ بهم الحدُّ إلى الاستغاثةِ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وادِّعاءِ معرفتِه للغيبِ، إلى غيرِ ذلك ممَّا اشتمَلت عليه قصائدُهم ومصنَّفاتُهم من البدعيَّات والشِّركيَّات، وإلى الله المشتكى
الفصل الخامس : أقوال علماء الأمة في بدعة المولد
1- الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي المشهور بالفاكهاني المالكي رحمه الله:
قال: (لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون.. إلخ) [السنن والمبتدعات (ص: 143)].
2- الإمام ابن الحاج رحمه الله:
قال: (فصل في المولد: ومن جملة ما أحدثوه من البدع، مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات وأظهر الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد وقد احتوى على بدع ومحرمات جملة) [المدخل: (2/ 2-10)].(1)
3- الإمام أبو عمرو بن العلاء رحمه الله:
قال: (لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب - هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه رسول الله وهو ربيع الأول هو بعينه الشهر الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه، وهذا ما علينا أن نقول، ومن الله تعالى نرجو حسن القبول) [الحاوي للسيوطي (1/ 190)].
4- العلامة أبو عبد الله محمد المحضار رحمه الله:
قال: (ليلة المولد لم يكن السلف الصالح يجتمعون فيها للعبادة ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة؛ لأن النبي لا يعظم إلا بالوجه الذي شرع به تعظيمه..) [المعيار المعرب والجامع المغرب (ص: 99- 101)].
5- الشيخ نصير الدين المبارك الشهير بابن الطباخ رحمه الله:
قال: (ليس عمل المولد من السنن).
6- الحافظ أبو زرعة العراقي رحمه الله:
قال: (لا نعلم ذلك -أي عمل المولد- ولو بإطعام الطعام عن السلف) [تشنيف الآذان (ص: 136)].
7- الإمام الشاطبي المالكي رحمه الله:
فقد عد أنواع البدع ومنها (اتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، وذمه المولد) [الاعتصام (ص: 34)].
8- ظهير الدين جعفر التزمنتي رحمه الله:
قال: (عمل المولد لم يقع في الصدر الأول من السلف الصالح مع تعظيمهم وحبهم له -أي النبي- إعظاماً ومحبة لا يبلغ جمعنا الواحد منهم ولا ذرة منه).
9- شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
قال: (وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية، كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر من ذي الحجة، وأول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف، ولم يفعلها، والله سبحانه وتعالى أعلم) [مجموع الفتاوى (25/ 298)].
10- الشيخ محمد عبد السلام خضر الشقيري رحمه الله:
قال: (فاتخاذ مولده موسماً والاحتفال به بدعة منكرة، وضلالة لم يرد بها شرع ولا عقل، ولو كان في هذا خير كيف يغفل عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة والتابعون وتابعوهم والأئمة وأتباعهم) [السنن والمبتدعات بالأذكار والصلوات (ص: 138)].
11- السيد علي فكري:
قال: (لم يكن في سنة العرب أن يحتفلوا بتاريخ ميلاد لأحد منهم، ولم تجر بذلك سنة المسلمين فيما سلف، والثابت في كتب التاريخ وغيرها أن عادة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من العادات المحدثة) [المحاضرات الفكرية (ص: 128)].
12- الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله:
قال: (هذه الموالد بدعة بلا نزاع، وأول من ابتدع الاجتماع لقراءة قصة المولد أحد ملوك الشراكسة بمصر) [المنار (17/ 111)].
13- العلامة الألباني رحمه الله:
قال: (ونحن -وإياهم- مجمعون على أن هذا الاحتفال أمر حادث لم يكن، ليس فقط في عهده صلى الله عليه وسلم، بل ولا في عهد القرون الثلاثة، ومن البدهي أن النبي في حياته لم يكن ليحتفل بولادة إنسان ما إنما هي طريقة نصرانية مسيحية لا يعرفه الإسلام مطلقاً في القرون المذكورة..) [من شريط بدعة المولد].
14- الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
قال: (لا شك أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من البدع المحدثة بعد أن انتشر الجهل في العالم الإسلامي، وصار للتضليل والإضلال والوهم والإيهام مجال عميت فيه البصائر، وقوي فيه سلطان التقليد الأعمى، وأصبح الناس في الغالب لا يرجعون إلى ما قام عليه الدليل على مشروعيته، وإنما يرجعون إلى ما قاله فلان وارتضاه علان، فلم يكن لهذه البدعة المنكرة أثر يذكر لدى أصحاب رسول الله، ولا لدى التابعين وتابعيهم... إلخ) [فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (3/ 54)].
15- شيخ الإسلام ابن باز رحمه الله:
قال: (وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه وتعالى لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به.. حتى أتى هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في دين الله) [التحذير من البدع (4- 5)].
16- العلامة محمد بن عبد اللطيف رحمه الله:
قال: (إن عمل المولد من البدع المنكرات والأعمال المنكرات) [الدرر السنية (8/ 285)].
17- الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله:
قال: (وأنكر الإمام محمد بن عبد الوهاب ما كان عليه الناس في تلك البلاد وغيرها من تعظيم الموالد والأعياد الجاهلية، التي لم ينزل الله بها سلطاناً، ولم ترد به حجة شرعية ولا برهان، لأن ذلك فيه مشابهة للنصارى الغالين في أعيادهم الزمانية والمكانية، وهو باطل مردود في شرع سيد المرسلين) [مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (ص: 44)].
18- العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
قال: (الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل التقرب إلى الله وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم عبادة، وإذا كان عبادة فإنه لا يجوز أبداً أن يحدث في دين الله ما ليس منه، فالاحتفال بالمولد بدعة محرمة) [مجلة المجاهد (عدد/ 22)].
19-الشيخ العلامة حمود التويجري رحمه الله:
قال: (فالذين يتخذون المولد عيداً ليسوا من الذين ترجى لهم المثوبة على هذه البدعة، وإنما هم من الذين تخشى عليهم العقوبة على مخالفتهم للأمر الذي كان عليه رسول الله وأصحابه) [الرد القوي على الرفاعي والمجهول ابن علوي (ص: 223)].
20- الشيخ علي محفوظ من كبار علماء مصر رحمه الله:
قال: (قيل: أول من أحدثها -أي الموالد- بالقاهرة الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي...) [الإبداع في مضار الابتداع (ص: 251)].
21-العلامة عبد الله بن حميد رحمه الله:
قال: (فالمقيمون لتلك الحفلات وإن قصدوا بها تعظيمه صلى الله عليه وسلم فهم مخالفون لهديه، مخطئون في ذلك، إذ ليس من تعظيمه أن تبتدع في دينه بزيادة أو نقص أو تغيير أو تبديل، وحسن النية وصحة القصد لا يبيحان الابتداع في الدين) [الرسائل الحسان في نصائح الإخوان للشيخ ابن حميد (ص: 39)].
22- العلامة الفوزان حفظه الله:
قال: (وإذا عرضنا الاحتفال بالمولد النبوي فلم نجد له أصلاً في سنة رسول الله، ولا في سنة خلفائه الراشدين، إذاً فهو من محدثات الأمور، ومن البدع المضللة) [حقوق النبي بين الإجلال والإخلال (ص: 139)].
23- العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله:
قال: (الاحتفال بالموالد وتخصيصها بذكر أو دعاء أو أناشيد أو دف أو صلاة أو أي عبادة أو شعار يتخذ فيها إعلاماً بهذا اليوم: يوم المولد، سواء كان مولد نبي أو ولي أو من تدعى ولايته، كالرفاعي والبدوي والبيومي والدسوقي وغيرهم في جل أصقاع العالم الإسلامي أو عظيم من الولاة أو العلماء أو ما يتخذه بعض الناس من اتخاذ عيد لمولده بمناسبة إطفاء ثلاثين شمعة، أي مضي ثلاثين سنة، وهكذا في كل عام، كل هذا بدعة ضلالة، ومنكر يجب إنكاره، ولا عهد لأمة محمد صلى الله عليه وسلم به قبل اتخاذ العبيدين في عام (362) مولد النبي صلى الله عليه وسلم، إبان حكمهم بمصر، ثم امتد إحداثهم للأعياد حتى جعلوا في كل يوم عيداً للنبي صلى الله عليه وسلم على مدار العام، ثم انتقلت هذه إلى بعض أهل السنة، ووقع بسببه معارك كلامية، وافتراءات على من أنكر هذه البدعة وأنه يبغض النبي صلى الله عليه وسلم وحاشاهم) [تصحيح الدعاء (ص: 110- 111)].
الفصل السادس : إعتراف القائلين بجواز الاحتفال أنه من المحدثات (وكفى بها حجة).
هناك من المستحسنين لهذه البدعة من يقر ويعترف بأن الاحتفال بالمولد أمر محدث، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته من بعده يفعلونه.
ومن هؤلاء:
1- السيوطي:
حيث قال: (أول من أحدث فعل ذلك -أي: الاحتفال بالمولد- صاحب إربل الملك المظفر) [حسن المقصد ضمن الحاوي للفتاوى (1/ 189)].
2- السخاوي:
حيث قال: (أصل عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعدها بالمقاصد الحسنة) [نقلاً من المورد الروي في المولد النبوي لملا علي قاري (ص: 12)].
3- أبو شامة:
حيث يقول: (ومن أحسن ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل: ما كان بمدينة إربل جبرها الله تعالى كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور) [الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص: 95)].
4- محمد علوي مالكي:
حيث يقول: (فالاحتفال بالمولد وإن لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم، فهو بدعة ولكنه حسنة) [حول الاحتفال بالمولد (ص: 19)].
5- يوسف الرفاعي:
حيث يقول: (إن اجتماع الناس على سماع قصة المولد النبوي الشريف، أمر مستحدث بعد عصر النبوة، بل ما ظهر إلا في أوائل القرن السادس الهجري) [الرد المحكم المنيع (ص: 153)].
وبهذه النقولات يتضح جلياً أن السلف الصالح لم يحتفلوا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن تركهم إياه إلا لكونه لا خير فيه.
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
الفصل السابع : طرق أهل البدع في الاستدلال لبدعهم
عامة أهل البدع لابد أن يوردوا على بدعهم أدلة وحججاً يشبهون بها على الناس ، وهي لا تعدو – غالباً – أن تكون :
1 – أدلة من الكتاب والسنة ، لكنها عامة أو مطلقة لا تصلح لأن يستدل بها على خصوص تلك البدعة .
2 – أدلة من الكتاب والسنة ، لكنها من المتشابه الذي يجب رده إلى المحكم .
3 – أدلة من الكتاب والسنة ، لكنها تدل على عكس ما استدلوا عليه .
4 – أدلة من السنة ، لكنها ضعيفة لا تصلح للاستدلال بها على شيء ، لشدة ضعفها ونكارتها ، وربما تكون مكذوبة أو لاأصل لها .
5 – القياس على الأدلة الثابتة ، وهذا كثير لدى المبتدعة .
6 – القياس على آثار الصحابة وأفعال السلف ، وهذا أقل من سابقه .
7 – الاستدلال بأقوال الرجال ، من العلماء والفقهاء والشيوخ والوعاظ وغيرهم ، وهذا مشتهر عند المبتدعة ، ومن أكثر ما يتعلقون به .
8 – الاستدلال بكثرة من يفعلها من العامة ، وهذا من أقــوى ما يستدلون به ويتكثرون بــه .
9 – القياس على البدع الأخرى المشهورة ، التي ســكت عن إنكارهــا أكثــر أهل العلم ، عجزاً أو خوفاً ، وهذا في الواقع ، لا يلجأون إليه إلا عند المناظرة والمحاجـّة لإسكات المنكرين عليهم .
قلت : وسأشرع الآن في ذكر بعض ما استدل به المؤيدون " للمولد " ، والجواب عليه ، وسأختصر الكلام منعاً للإطالة.
الفصل الثامن : كشف الشبهات ورد الإعتراضات:
الشبهة الأولى :: :قوله تعالى: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ))
]يونس:58[.
حيث يفسر بعضهم الرحمة هنا بالرسول صلى الله عليه وسلم!
والجواب
:أولا :إن حصر فضل الله ورحمته في ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم غير صحيح ، بل المشهور في معنى الآية وتفسيرها أعم من ذلك ، فقيل : فضل الله الإسلام ورحمته القرآن ، وقيل العكس ، والآية عامة في كل ما يعد من فضل الله على الأمة ، وأعظمها الهداية إلى الإيمان وعلى هذا سار
كبار المفسرين، كابن جرير وابن كثير والبغوي و القرطبي وابن العربي وغيرهم، ولم يكن في تفسير واحد منهم أن المقصود بالرحمة في هذه الآية
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما المقصود بالفضل والرحمة المفروح بهما ما عنته الآية السابقة لهذه الآية، وهو قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ))[يونس:57[ ذلك هو القرآن الكريم.
فقد قال ابن كثير في "تفسيره" (2/421): ( ((وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ))[يونس:57[ أي: يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى، وإنما ذلك للمؤمنين به، والمصدقين الموقنين بما فيه، كقوله تعالى: ((وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً))
]الاسراء:82[ وقوله: ((قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ))[فصلت:44[ وقوله: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ))[يونس:58[ أي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق، فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به) اهـ.
وقال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بك، وبما أنزل
إليك من عند ربك: بفضل الله؛ أيها الناس الذي تفضل به عليكم وهو الإسلام، فبينه لكم
ودعاكم إليه، وبرحمته التي رحمكم بها فأنزلها إليكم، فعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه،
فبصركم بها معالم دينكم؛ وذلك القرآن.
((فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)) يقول: فإن الإسلام الذي دعاهم إليه والقرآن الذي أنزله عليهم، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وأموالها وكنوزها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل) اهـ.
وقال القرطبي: :قال أبو سعيد الخدري و ابن عباس رضي الله عنهما: (قل فضل الله القرآن، ورحمته الإسلام)، وعنهما أيضا: (فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله).
وعن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة: (فضل الله الإيمان ورحمته القرآن) على العكس من القول الأول) اهـ).
وقد قال ابن القيم - رحمه الله - في "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة
والجهمية "(ص38) في تفسير قوله تعالى: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)):
(وقد دارت أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته - أي في هذه الآية - الإسلام والسنة) اهـ.
ولا ريب أن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته للأمة ، إنما هي من فضل الله ورحمته على الناس كافة ، ولكن ما دخل هذا بالاحتفال بذكرى المولد ؟ ومن قال إن الفرح بمولده لايحصل إلا بإحياء مثل هذه البدع ؟ ولِمَ لم يفهم الصحابة ، بل حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الآية هذا المعنى الذي فهمه المحتفلون بالمــولد؟ .
ثم إن القرآن ذكر لنا حوادث أخرى يفرح بها المؤمنون ، ومنها قوله تعالى { ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله } والمفسرون ذكروا أنها تعني فرح الصحابة بيوم بدر ، ولا ريب أنهم فرحوا بذلك النصر وبغيره في مواطن كثيرة ، ولكنهم لم يتخذوا شيئاً من تلك الحوادث عيداً يتكرر كل عام .
ونقول أيضاً : إننا نخشى على أهل البدع من فرح آخر ذمه الله تعالى في كتابه فقـال { فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله } فكل من خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته ، واقتحم البدع التي حذر منها ونهى عنها ، ثم فرح بذلك فإنه داخل في معنى هذه الآية ، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
وأولى الناس فرحاً بفضل الله وبرحمته هم أهل السنة الذين لم يتجاوزوا ما شرع الله لهم من القول والعمل .
ثانيا : (إن الرحمة للناس لم تكن بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كانت ببعثه وإرساله إليهم، وعلى هذا تدل النصوص من الكتاب والسنة.
أما الكتاب فقول الله تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ))[الانبياء:107[ فنص على أن الرحمة للعالمين إنما كانت في إرساله صلى الله عليه وسلم، ولم يتعرض
عابرسبيل- مشرف
-
[img]https://2img.net/h/oi45.tinypic.com/8vuutv.jpg[/img
عدد المساهمات : 510
تاريخ التسجيل : 08/08/2010
الموقع : http://www.salafi.com/
رد: الرد المسدد على من أجاز بدعة المولد
الشبهة السادسة: ما جاء عن عروة أنه قال في ثويبة مولاة أبي لهب: وكان أبولهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة قال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة.
استدل محمد بن علوي المالكي بهذه القصة في رسالته "حول الاحتفال بالمولد" (ص حيث قال: (أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف تعبير عن الفرح والسرور بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وقد انتفع به الكافر..
والجواب :
(ان هذا الخبر لا يجوز الاستدلال به لأمور:
أولاً: أنه مرسل كما يتبين من سياقه عند البخاري في باب ((وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ))
{ ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب } من صحيحه فقد قال: (حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن زينب ابنة أبي سلمة أخبرته أن
أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها قالت: (يا رسول الله انكِحْ أختي بنت أبي سفيان، فقال: { أو تحبين ذلك؟ } فقلت: نعم، لست لك بمخليةٍ، وأحب من شاركني في خيرٍ أختي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { إن ذلك لا يحل لي } .
قلت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة.قال: بنت أم سلمة؟
قلت: نعم.فقال: { لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ماحلت لي. إنها لاَبنة أخي من الرضاعة.أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن } .
قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهبٍ وكان أبو لهبٍ أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات
أبو لهب أريه بعض أهله بشر حِيبةٍ، قال له: ماذا لقيت؟
قال أبو لهب: لم ألق بعدكم. غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة ").
ولهذا قال الحافظ ابن حجر"فتح الباري"(9/49): (إن الخبر - أي المتعلق بتلك القضية - مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به...الخ).
وبهذا نعلم انه لا يجوز الاستدلال بهذا الخبر لأنه مرسل، والمرسل من قسم الضعيف لأننا
لا نعلم صدق من أخبر عروة بذلك الخبر؛ والبخاري رحمه الله لم يشترط الصحة في كتابه
إلا على الأحاديث المتصلة السند.
ثانياً: أن ذلك الخبر لو كان موصولاً لا حجة فيه لأنه رؤيا منام ورؤيا المنام لا يثبت بها
حكم شرعي ذكر ذلك أيضا الحافظ ابن حجر.
وقد قال علوي بن عباس المالكي - والد محمد المالكي - في "نفحات الإسلام من البلد الحرام" (ص164-165) والذي جمع مواضيعه ورتبه محمد المالكي نفسه؛ أثناء إنكاره القصة المشهورة الباطلة عن الشيخ أحمد خادم الحجرة النبوية: (النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وترك للناس شريعة واحدة لا تحتاج إلى تتميم برؤيا في المنام، والرؤيا المنامة ليست طريقاً للتشريع ولا مستنداً لحكم شرعي أصلاً لأن النائم لا يضبط لغفلته بمنامه
فكيف يعتمد على رؤياه...الخ).
ثالثاً: أن ما في مرسل عروة هذا من أن إعتاق أبي لهب ثويبة كان قبل إرضاعها النبي r يخالف ما عند أهل السير من أن إعتاق أبى لهب إياها كان بعد ذلك الإرضاع بدهر طويل كما ذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" (9/48) وأوضحه في "الإصابة في تمييز الصحابة"
(4/250) والحافظ ابن عبدالبر في "الاستيعاب في أسماء الأصحاب" (1/12) والحافظ
ابن الجوزي في "الوفا بأحوال المصطفى" (1/106).
رابعاً: أن هذا الخبر مخالف لظاهر القرآن كما أوضحه الحافظ ابن حجر في "الفتح" حيث قال في كلامه عليه (9/49): (وفي الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة؛ لكنه مخالف لظاهر القرآن، قال الله تعالى ((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً))[الفرقان:23[) ثم نقل عن حاشية ابن المنير أن ما في ذلك المرسل من اعتبار طاعة الكافر مع كفره محال لأن شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح وذلك مفقود مع الكافر.
فإعتاق أبى لهب لثويبة ما دام الأمر كذلك لم يكن قربة معتبرة فإن قيل إن قصة إعتاق
أبى لهب ثويبة مخصوصة من ذلك كقصة أبى طالب قلنا: إن تخفيف العذاب عن أبى طالب ثبت بنص صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلموأما ما وقع لأبى لهب في ذلك المرسل فمستنده مجرد كلام لأبى لهب في المنام فشتان ما بين الأمرين).
يضاف إلى ذلك ان تخفيف العذاب عن أبي طالب كان بسبب شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: { لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منها دماغه } .
خامساً: (ان الفرح الذي فرحه أبو لهب بمولود لأخيه فرح طبيعي لا تعبدي، إذ كل إنسان يفرح بالمولود يولد له، أو لأحد إخوانه أو أقاربه، والفرح إن لم يكن لله لا يثاب عليه فاعله، وهذا يضعف هذه الرواية و يبطلها).
سادساً: (لم يجيء في هذه الرواية مع ضعفها أنه يخفف عن أبي لهب العذاب كل إثنين
ولا أن أبا لهب أعتق ثويبة من أجل بشارتها إياه بولادة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكل هذا من التقول على البخاري).
سابعاً: (لم يثبت من طريق صحيح أن أبا لهب فرح بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أن ثويبة بشرته بولادته، فكل هذا لم يثبت، ومن ادعى ثبوت شيء من ذلك فعليه إقامة الدليل على
ما ادعاه.ولن يجد إلى الدليل الصحيح سبيلاً).
ثامناً: :قول المالكي: (وهذه القصة رواها البخاري في "الصحيح" في كتاب النكاح ونقلها
الحافظ ابن حجر في "الفتح" - إلى ان قال - وهي وان كانت مرسلة الا أنها مقبولة لأجل نقل البخاري لها واعتماد العلماء من الحفاظ لذلك ولكونها في المناقب والخصائص لا في الحلال والحرام وطلاب العلم يعرفون الفرق في الاستدلال بالحديث بين المناقب والأحكام.
وأما انتفاع الكفار بأعمالهم ففيه كلام بين العلماء ليس هذا بسطه والأصل فيه ما جاء في الصحيح من التخفيف عن أبي طالب بطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يثير عندي بعض الأسئلة وهي:
من أين نقل الحافظ ابن حجر هذه القصة في "الفتح"؟!
ولماذا أورد المالكي هذه القصة؟!
إن كتاب الحافظ ابن حجر "فتح الباري" إنما هو شرح للأحاديث والآثار الواردة في "صحيح البخاري"، فما معنى التفريق بين إخراج البخاري لهذه القصة في "صحيحه" وبين نقل ابن حجر لها في "الفتح"؟! أم ان المقصود تكثير المصادر ليوهم السذج؟
ثم إن المالكي إنما أورد هذه القصة ليستدل بها على جواز بل سنية الاحتفال بالمولد كما مر معنا سابقاً، فما معنى قوله عن هذه القصة: (أنها مقبولة لأجل نقل البخاري لها واعتماد العلماء من الحفاظ لذلك ولكونها في المناقب والخصائص لا في الحلال والحرام وطلاب العلم
يعرفون الفرق في الاستدلال بالحديث بين المناقب والأحكام)؟!
هل يقصد انه لا يريد ذكر هذه القصة لبيان حلال أو حرام وإنما لبيان للمناقب
والخصائص؟ فما فائدة ذكرها كدليل على جواز الاحتفال بالمولد؟
وأما بالنسبة إلى تخفيف العذاب عن الكافر فقد مر معنا قول ابن حجر في ذلك واستدلاله
بالآية، والأصل في ذلك تلك الآية بالإضافة إلى بعض الأحاديث الصحيحة ومنها ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: (يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال: { لا ينفعه إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين } .
فهذا هو الأصل، وقد قال محمد بن علوي المالكي نفسه في "شرح منظومة الورقات"
(ص28) في باب النهي: (الكفار داخلون في الخطاب بجميع فروع الشريعة فهم مخاطبون بها مع انتفاء شرطها وهو الإسلام فيعذبون حينئذ على أمرين: على ترك الفروع وعلى ترك الإسلام الذي بدونه فروع الشريعة ممنوعة لا تصح ومع كونهم مخاطبين بالفروع إلا أنها لا تصح منهم إذا فعلوها إلا بالإسلام) اهـ.
أما تخفيف العذاب عن أبي طالب فإنه مستثنى من هذا الأصل وذلك بسبب شفاعة صلى الله عليه وسلم كما مر معنا وباعتراف المالكي!.
لشبهة السابعة: قول الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل يوم الجمعة : { إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض } رواه أبو داود.
استدل بهذا محمد المالكي في "حول الاحتفال"(ص14)حيث قال: (يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلمفي فضل يوم الجمعة، وعدّ مزاياه: { وفيه خلق آدم } تشريف الزمان الذي ثبت أنه ميلاد لأي نبي كان من الأنبياء عليهم السلام فكيف باليوم الذي ولد فيه أفضل النبيين وأشرف المرسلين.
ولا يختص هذا التعظيم بذلك اليوم بعينه بل يكون له خصوصاً ولنوعه عموماً مهما تكرر
كما والحال في يوم الجمعة، شكراً للنعمة، وإظهاراً لمزية النبوة وإحياءً للحوادث التاريخية).
الجواب:
أولاً:جاءت النصوص الشرعية الصريحة الثابتة بفضل يوم الجمعة، واعتباره أحد أعياد المسلمين، واختصاصه بخصائص ليست لغيره، فنحن نقف مع النصوص الشرعية حيث وقفت، ونسير معها حيث اتجهت: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا))
]الحشر:7[ ولا نبيح لأنفسنا أن نشرع تفضيل يوم بعينه، لم يرد النص بتفضيله، إذ لو كان خيراً لشرع لنا تفضيله، كما شرع لنا تفضيل يوم الجمعة ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً))[مريم:64[.
ولو جاءت نصوص شرعية تنص على فضل يوم ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنا بتوفيق لله وهدايته أسرع الناس إلى اعتبار ذلك والأخذ به، امتثالا لقوله تعالى: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ))).
ثانيا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يخص يوم الجمعة بشيء من نوافل الأعمال وقد نهى عن تخصيصه بالصيام وعن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام ففي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم } .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص يوم الجمعة بشيء من نوافل الأعمال من أجل آدم عليه السلام قد خلق فيه فأي متعلق لابن علوي وغيره في ذكر ذلك الاستدلال به على جواز الاحتفال بالمولد).
ثالثاً: (لماذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة تطوعاً وحده؟
ولماذا لم يقل إثر إخباره أو فيما بعد: فأقيموا لأبيكم وأبي عيد وجود، أو حلقة ذكر بمناسبة الذكرى نتدارس فيها نعم الله على خلقه، ونذكر فيها العامة، وتكون سنة لمن بعدنا؟ كما يقول بما يشبه هذا بعض المتأخرين.
وهل يمكن أن يجرؤ الشك على أن يوحى لنا بأن محمداً صلى الله عليه وسلم ذا الخلق العظيم محبته لأبيه آدم عليه السلام قاصرة أو معدومة؟).
رابعا: أما بالنسبة لقول المالكي: (ولا يختص هذا التعظيم بذلك اليوم بعينه، بل يكون له خصوصاً ولنوعه عموماً).
فقد أجاب عنه الشيخ عبدالله بن منيع في "حوار مع المالكي"(ص88) بقوله: (إن هذا
القول يقتضي أن نقيس في العبادات، ولا يخفى ما عليه أهل العلم من علماء الأصول و فقهاء الأمة، ممن يقولون بالقياس من أنهم يمنعون القياس في العبادات، لأن القياس مبني على اتحاد المقيس والمقيس عليه في العلة، والعبادات مبناها على التوقيف والتعبد، سواء كانت علة التشريع ظاهرة أو خفية، فلا يجوز أن نقيس على أصل مشروعية الصلاة بتشريع صلاة سادسة بين الفجر والظهر مثلاً، ولا بتشريع صيام آخر بعد رمضان أو قبله، ولا بزيادة ركعة أو أكثر على ركعات صلاة من الصلوات الخمس، بحجة أن التشريع في الصلوات أو في الصيام أو في غيرهما من أنواع العبادة لها خصوصاً ولنوعها عموماً.
إن الله حينما فضل يوم الجمعة على غيره من الأيام الأخرى، وتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يدل على ذلك التفضيل و يؤكده قادر على تفضيل غيره من الأيام،كيوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بعثته أو هجرته، ويعطي عباده نصوصاً صريحة من قوله تعالى، أو قول رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، في تفضيل ذلك اليوم كما هو الحال في يوم الجمعة، و في ليلة القدر) انتهى كلامه باختصار
الشبهة الثامنة: إستدلالهم بما أخرجه البيهقي عن انس رضي الله عنه: { أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة } .
خرج السيوطي في "حسن المقصد في عمل المولد" عمل المولد عليه ولفظه: (قلت قد ظهر لي تخريجه - أي عمل المولد - على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن انس رضي الله عنه: { أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة } مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم
اظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه لذلك
فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده) إلى آخر كلامه، كما استدل بهذا الحديث محمد المالكي في "البيان والتعريف" (ص11).
الجواب:
أولاً: (ان تخريج السيوطي عمل المولد النبوي على هذا الحديث ساقط لعدم ثبوت ذلك الحديث عند أهل العلم.
فقد قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في (كتاب العقيقة) من"تلخيص الحبير" (4/147):
(قوله - أي الرافعي- روى أنه صلى الله عليه وسلمعق عن نفسه بعد النبوة البيهقي من حديث قتادة
عن انس وقال: منكر؛ وفيه عبدالله ابن محرر وهو ضعيف جداً، وقال عبد الرزاق إنما تكلموا فيه لأجل هذا الحديث، قال البيهقي وروى من وجه آخر عن قتادة ومن وجه آخر عن انس وليس بشيء.
قلت - القائل ابن حجر العسقلاني - أما الوجه الآخر عن قتادة فلم أره مرفوعاً وإنما ورد
أنه كان يفتي به كما حكاه ابن عبد البر بل جزم البزار وغيره بتفرد عبدالله بن محرر به عن قتادة.
وأما الوجه الآخر عن انس فأخرجه أبو الشيخ في الأضاحي وابن أيمن في مصنفه والخلال من طريق عبدالله بن المثنى عن ثمامة بن عبدالله بن انس عن أبيه وقال النووي في "شرح المهذب" هذا حديث باطل) اهـ
كما ضعفه في "فتح الباري" (9/509).
وقال الإمام النووي - رحمه الله - في "المجموع شرح المهذب" (8/412) في (باب العقيقة) : (أما الحديث الذي ذكره - أي الشيرازي - في عق النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه فرواه البيهقي بإسناده عن عبدالله بن محرر بالحاء المهملة والراء المكررة عن قتادة عن انس { أن النبي r عق عنه نفسه بعد النبوة } وهذا حديث باطل، قال البيهقي هو حديث منكر، وروى البيهقي بإسناده عن عبد الرزاق قال: (إنما تركوا عبدالله بن محرر بسبب هذا الحديث)، قال البيهقي: وقد روى هذا الحديث من وجه آخر عن قتادة، ومن وجه آخر عن انس وليس بشيء، فهو حديث باطل وعبدالله بن محرر ضعيف متفق على ضعفه قال الحفاظ هو - أي عبدالله بن محرر- متروك) اهـ.
وقال الحافظ الذهبي في ترجمة عبدالله بن محرر من "ميزان الاعتدال في نقد الرجال":
(من بلاياه - أي عبدالله بن محرر- روى عن قتادة عن انس (أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعدما بعث) رواه شيخان عنه) اهـ.
وقال البزار: (تفرد به عبدالله بن المحرر وهو ضعيف جداً إنما يكتب عنه ما لا يوجد عند غيره) ورد هذا في (باب قضاء العقيقة) من كتاب "كشف الأستار عن زوائد البزار"
للحافظ الهيثمي.
وقال البيهقي في (باب العقيقة سنة) من"السنن الكبرى" (9/300): (قال عبدالزاق إنما تركوا عبدالله ابن محرر لحال هذا الحديث وقد روى من وجه آخر عن قتادة ومن آخر عن انس وليس بشيء). انتهى كلام البيهقي الذي عزا إليه السيوطي ذلك الحديث الذي ادعى أنه ظهر له تخريج عمل المولد عليه وقد أساء السيوطي التصرف حيث لم يذكر كلام البيهقي في الحديث بل تركه ليوهم من يقرأ تخريجه أنه صالح للاستدلال به.
وقال ابن القيم - رحمه الله - في "تحفة المودود بأحكام المولود" (ص57): (قال أحمد: عبدالله بن المحرر عن قتادة عن أنس: { أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه} ، منكر، وضعف عبدالله بن محرر.
وفي "مصنف عبدالرزاق" أنبأنا عبدالله بن محرر عن قتادة عن أنس، انَّ النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه بعد النبوة، قال عبدالرزاق: إنما تركوا ابن محرر لهذا الحديث) انتهى كلام ابن القيم باختصار.
وقال الزرقاني في "شرح المواهب اللدنية" (1/140) تعليقاً على قول السيوطي السابق:
تعقبه النجم بأنه حديث منكر كما قاله الحافظ بل قال - أي النووي - في "شرح المهذب"
(إنه حديث باطل) فالتخريج عليه ساقط) انتهى كلام الزرقاني.
كما ضعف هذا الحديث الإمام مالك كما في (كتاب العقيقة) من "المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام" لابن رشد (2/15).
كما ضعف راويه عبدالله بن محرر ابن حبان في "كتاب المجروحين" (2/29)).
ثانياً: (هل ثبت أن العقيقة كانت مشروعة لأهل الجاهلية وهم يعملون بها حتى نقول إن عبدالمطلب قد عق عن ابن ولده؟
وهل أعمال أهل الجاهلية يعتد بها في الإسلام؟ حتى نقول إذا عق النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه شكراً لا قياماً بسنة العقيقة، إذا قد عق عنه؟
سبحان الله ما أعجب هذا الاستدلال وما أغربه، وهل إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح شاة
شكراً لله تعالى على نعمة إيجاده وإمداده يلزم من ذلك اتخاذ يوم ولادته صلى الله عليه وسلم عيداً للناس؟
و لما لم يدعُ إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبين للناس ماذا يجب عليهم فيه من أقوال وأعمال؟
كما بين ذلك في عيدي الفطر والأضحى.
أنسي ذلك أم كتمه، وهو المأمور بالبلاغ؟
سبحانك اللهم إن رسولك صلى الله عليه وسلم ما نسي ولا كتم ولكن الإنسان كان أكثر شيء جدلاً).
لشبهة التاسعة: ان جبريل عليه السلام طلب ليلة الإسراء والمعراج من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يصلي ركعتين ببيت لحم، ثم قال: (أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام).
استدل به محمد علوي المالكي في "حول الاحتفال" (ص14-15).
الجواب:
أولاً: قال العلامة الأنصاري - رحمه الله - في "القول الفصل" (ص138-145): (إن أمر جبريل عليه السلام الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك ورد من رواية شداد ابن أوس وانس بن مالك وأبي هريرة رضي الله عنهم لقصة الإسراء لكنه مستنكر كما يتبين فيما يلي:
أ- أما رواية شداد بن أوس رضي الله عنه فقد قال الإمام الترمذي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن الضحاك الزبيدي حدثنا عمرو بن الحارث عن عبدالله بن سالم الأشعري عن محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي حدثنا أبو الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير حدثنا شداد بن أوس قال: قلنا: يا رسول الله كيف أسري بك قال: ( … (فذكر فيه) ثم بلغنا أرضا بدت لنا قصور فقال (أي جبريل عليه السلام): انزل فنزلت فقال صل. فصليت ثم ركبنا فقال أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى بن مريم …) الخ.
ومن طريق الترمذي هذا بسنده ومتنه روى البيهقي هذه الرواية كما بينه ابن كثير في تفسيره وهذه الرواية تكلم فيها الحافظان الذهبي وابن كثير متعقبين بكلامهما قول البيهقي في إسنادها (هذا إسناد صحيح).
فقد قال الحافظ الذهبي في "تاريخ الإسلام" (1/142) بعد إيراد كلام البيهقي هذا في إسنادها: (قلت: ابن زبريق - أي إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي - تكلم فيه النسائي) اهـ.
وقال في ترجمته من "ميزان الاعتدال" (1/181) إن النسائي قال ليس بثقة ثم قال أبو داود ليس بشيء وكذبه محدث حمص محمد ابن عوف الطائي.
تعقب الذهبي بهذا قول أبي حاتم في ابن زبريق: (لا بأس به سمعت ابن معين يثني عليه).
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره لسورة الإسراء بعد إيراده حديث شداد بن أوس هذا من طريق الترمذي: (رواه البيهقي من طريقين عن أبي إسماعيل الترمذي به) ثم قال بعد تمامه: (هذا إسناد صحيح قال وقد روى هذا الحديث عن شداد بن أوس بطوله الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه عن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي به)
ذكر ابن كثير هذا كله ثم قال: (ولا شك أن هذا الحديث أعني الحديث المروي عن شداد بن أوس مشتمل على أشياء منها ما هو صحيح كما ذكره البيهقي ومنها ما هو منكر كالصلاة في بيت لحم وسؤال الصديق عن نعت بيت المقدس وغير ذلك والله أعلم) اهـ.
وأما رواية أنس رضي الله عنه لهذا الحديث فعند النسائي في كتاب الصلاة تحت عنوان فرض الصلاة في (1/221) من "المجتبى" قال: (اخبرنا عمرو ابن هشام قال حدثنا مخلد هو ابن الحسين عن سعيد بن عبدالعزيز قال حدثنا يزيد ابن أبي مالك قال حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثم ذكر الحديث وفيه): (ثم قال: نزل فصل فنزلت فصليت فقال أتدري أين صليت؟ صليت ببت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام …) الخ.
ومن طريق "المجتبى"للنسائي هذا أورد ابن كثير هذه الرواية في "تفسيره" (3/6) ضمن أحاديث الإسراء وقال في (ص5): (فيها غرابة ونكارة جداً).
وقال في "الفصول في اختصار سيرة الرسول" في حديث انس هذا الذي رواه النسائي في "المجتبى": (غريب منكر جداً وإسناده مقارب وفي الأحاديث الصحيحة ما يدل على نكارته والله أعلم) اهـ.
وأما رواية أبي هريرة رضي الله عنه لهذا الحديث فعند ابن حبان في "المجروحين" (1/187-188) في ترجمة بكر بن زياد الباهلي قال أبو حاتم بن حبان بعد أن ذكر أنه شيخ دجال يضع الحديث على الثقات لا يحل ذكره في الكتب الا على سبيل القدح فيه قال: (روى أي - بكر بن زياد الباهلي - بكر بن زياد عن عبدالله بن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة (ثم ذكر الحديث) وهذا شيء لا يشك عوام أصحاب الحديث أنه موضوع فكيف البُزَّل في هذا الشأن) انتهى كلام ابن حبان.
وقد تلقى كلام ابن حبان في بكر بن زياد الباهلي هذا ابن الجوزي في "الموضوعات"
(1/ 113-114)، والسبكي في "شفاء السقام"(ص133)، والذهبي في "ميزان الاعتدال"
(1/345)، والشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص441).
وقال ابن كثير في "الفصول في اختصار سيرة الرسول" (ص122) بعد أن ذكر حديث انس المتقدم وذكر انه غريب منكر جداً قال: (وكذلك الحديث الذي تفرد به بكر بن زياد الباهلي المتروك عن عبدالله بن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { ليلة أسري بي قال جبريل هذا قبر أبيك إبراهيم انزل فصل فيه } لا يثبت أيضا لحال بكر بن زياد المذكور) اهـ.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في "تفسير سورة الإخلاص" (ص169): (الذي يرويه بعضهم في حديث الإسراء أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم هذه طيبة انزل فصل فنزل فصلى هذا مكان أبيك انزل فصل كذب موضوع؛ لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة الا في المسجد الأقصى خاصة كما ثبت ذلك في الصحيح ولا نزل إلا فيه) اهـ.
وقال ابن القيم في"زاد المعاد": (قد قيل انه - أي النبي صلى الله عليه وسلم - نزل ببيت لحم و صلى فيه ولم يصح ذلك عنه ألبته) اهـ.
هذا كلام أولئك العلماء في روايات أمر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم وبه يتضح بطلان دعوى الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(2/50-51): (ان الموضوع من حديث بكر بن زياد هو من قوله ( ثم أتى الصخرة) وأما باقيه فقد جاء في طريق أخرى فيها الصلاة ببيت لحم وردت من حديث شداد بن أوس) اهـ) انتهى كلام العلامة الأنصاري رحمه الله بتصرف.
وقال الشيخ حمود التويجري - رحمه الله - عن رواية انس رضي الله عنه لهذا الحديث "الرد القوي" (ص86): (رواه النسائي في سننه عن عمرو بن هشام عن مخلد - وهو ابن يزيد القرشي - عن سعيد بن عبدالعزيز عن يزيد بن أبي مالك عن انس بن مالك رضي الله عنه، وقد قال الحافظ ابن حجر في كل من يزيد ومخلد أنه صدوق له أوهام.
وقال الذهبي في "الميزان" يزيد بن أبي مالك صاحب تدليس وإرسال عمن لم يدرك، وقال يعقوب الفسوي يزيد بن أبي مالك فيه لين، وقال الذهبي أيضا في ترجمة مخلد بن يزيد القرشي صدوق مشهور روى حديثا في الصلاة مرسلا فوصله قال أبو داود مخلد شيخ إنما رواه الناس مرسلاً وقال الحافظ ابن حجر في ترجمة مخلد بن يزيد القرشي من "تهذيب التهذيب"
قال الأثرم عن أحمد لا بأس به وكان يهم وقال الساجي: كان يهم ثم ذكر ابن حجر من أوهامه حديثاً وصله وهو مرسل. وهذا مما يدعو إلى التوقف في قبول الحديث لأنه يحتمل أن يكون قد وقع فيه وهم من أحد الرجلين.ولهذا قال الحافظ ابن كثير إن فيه غرابة ونكارة جداً) اهـ.
ثانياً: (روى الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي بإسناد صحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل فلم نزايل ظهره أنا وجبريل حتى انتهينا إلى بيت المقدس } الحديث وقد رواه الترمذي وقال: (هذا حديث حسن صحيح) وصححه أيضا ابن حبان والحاكم والذهبي.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : { فلم نزايل ظهره أنا وجبريل حتى انتهينا إلى بيت المقدس } أبلغ رد على ما جاء في حديث انس وشداد بن أوس وأبي هريرة رضي الله عنهم، ولو ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ليلة الإسراء وهو ذاهب إلى بيت المقدس في بيت لحم لم يكن في ذلك ما يؤيد بدعة المولد ولا غيرها من البدع، لأن النبي r لم يأمر أمته بتعظيم بيت لحم ولم يأمرهم بالصلاة فيه ولم يكن أحد من الصحابة رضي الله عنهم يعظم بيت لحم ويصلي فيه.
والخير كل الخير في اتباع ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، والشر كل الشر في مخالفتهم والأخذ بالبدع وتعظيمها وتعظيم أهلها وإطراح الأحاديث الصحيحة في ذم المحدثات والتحذير منها).
الشبهة العاشرة: أن شعراء الصحابة كانوا يقولون قصائد المدح في الرسول صلى الله عليه وسلم مثل كعب بن زهير وحسان بن ثابت؛ فكان يرضى عملهم؛ ويكافئهم على ذلك بالصلات والطيبات.
استدل بهذا هاشم الرفاعي في مقاله كما في "الرد القوي"(ص78) للتويجري، واستدل به أيضاً الحميري في "بلوغ المأمول" (ص49-52).
الجواب:
(لم يذكر عن أحد من شعراء الصحابة رضي الله عنهم، أنه كان يتقرب إلى الله بإنشاد القصائد في ليلة المولد وإنما كان إنشادهم في الغالب عند وقوع الفتوح والظفر بالأعداء، وعلى هذا فليس إنشاد كعب بن زهير وحسان بن ثابت وغيرهما من شعراء الصحابة رضي الله عنهم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ما يتعلق به الرفاعي وغيره في تأييد بدعة المولد).
الشبهة الحادية عشر: أن الموالد اجتماع ذكر وصدقة ومدح وتعظيم للجناب النبوي وهذه أمور مطلوبة شرعاً وممدوحة وجاءت الآثار الصحيحة بها وبالحث عليها.
الجواب:
قال العلامة إسماعيل الأنصاري - رحمه الله - في "القول الفصل": (الجواب عن هذه الشبهة بأمور أحدها: ما أوضحه السيد رشيد رضا في الجزء الخامس من "الفتاوى" وهو أن الإنكار على إقامة المولد وإن كان يحتوي على بعض الأمور المشروعة يرجع إلى ذلك الاجتماع المخصوص بتلك الهيئة المخصوصة في الوقت المخصوص وإلى اعتبار ذلك العمل من شعائر الإسلام التي لا تثبت إلا بنص الشارع بحيث يظن العوام والجاهلون بالسنن أن عمل المولد من أعمال القرب المطلوبة شرعاً.
وعمل المولد بهذه القيود بدعة سيئة وجناية على دين الله وزيادة فيه تعد من شرع ما لم يأذن به الله ومن الافتراء على الله والقول في دينه بغير علم.
قال العلامة ابن الحاج - رحمه الله - في "المدخل"(2/312): (فإن خلا - أي عمل المولد - منه - أي من السماع - وعمل طعاماً فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الاخوان، وسلم من كل ما تقدم ذكره - أي من المفاسد- فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ إن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيما له ولسنته صلى الله عليه وسلم، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم...الخ).
وقال أيضاً فيمن اقتصر في عمل المولد على إطعام الاخوان ليس إلا ونوى بذلك المولد:
(هذا - أي قراءة البخاري عوضاً عن تلك الأعمال بنية المولد- وإن كانت قراءة الحديث في نفسها من أكبر القرب والعبادات وفيها البركة العظيمة والخير الكثير لكن إذا فعل ذلك بشرطه اللائق به على الوجه الشرعي كما ينبغي لا بنية المولد ألا ترى أن الصلاة من أعظم القرب إلى الله تعالى ومع ذلك فلو فعلها إنسان في غير الوقت المشروع لها لكان مذموماً مخالفاً فإذا كانت الصلاة بهذه المثابة فما بالك بغيرها)) انتهى النقل عن"القول الفصل" باختصار.
فالأعمال الصالحة لا تقبل إلا بشرطين كما قال أهل العلم: الإخلاص ومتابعة الرسول r.
الشبهة الثانية عشر: أن الاحتفال بالمولد النبوي أمر استحسنه العلماء وجرى به العمل في كل صقع فهو مطلوب شرعاً للقاعدة المأخوذة من أثر ابن مسعود رضي الله عنه: (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح).
ورد الاستدلال بهذا في رسالة محمد بن علوي المالكي "حول الاحتفال" (ص15).
كما يورد البعض أقوال لبعض أهل العلم صرحوا فيها بجواز الاحتفال بالمولد كابن شامة وابن ناصر الدين وابن حجر العسقلاني والسيوطي والقسطلاني وغيرهم رحمهم الله تعالى
والجواب :
1-هؤلاء العلماء الذين أجازوا الاحتفال بالمولد اعترفوا بأنه بدعة وحسبنا ذلك مهم , وأما دعواهم أنه بدعة حسنة فمردود عليهم , فليس في الدين وفيما شرع وجوباً أو استحباباً بدعة حسنة , وقد أنكر الاحتفال بالمولد النبوي جماعة من العلماء عارضوا هؤلاء كابن الحاج المالكي في ( المدخل ) والعدوي في (حاشيته على شرح مختصر خليل ) والفاكهاني في ( المورد ) وابن تيمية في ( اقتضاء الصراط المستقيم ) وغيرهم رحمهم الله تعالى , فبقيت الحجة مع المانع لاسيما وأن السلف الصالح أجمعين من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم لم يستحب أحد منهم الاحتفال بالمولد النبوي ولم يذكروه وحسبنا من الدين ما كانوا عليه .
2- أن المقصود بقول ابن مسعود رضي الله عنه الصحابة لأنه قال هذا القول استدلالاً على إجماع الصحابة على اختيار أبىبكر الصديق رضي الله عنه للخلافة.
ومن توسع في الاستدلال بهذا الأثر قصد به الإجماع، (فقد بوب له جماعةٌ من أهل الحديث في "باب الإجماع" ، كما في "كشف الأستار عن زوائد البزار" (1/81)، و "مجمع الزوائد" (1/177)، وغيرهما.
واستدل به كثير من العلماء على الإجماع:
قال ابن كثير: "وهذا الأثر فيه حكايةُ إجماعٍ عن الصحابة في تقديم الصديق، والأمر كما قاله ابن مسعودٍ".
وقال ابن القيم في "الفروسية" (ص60) بعد إيراده، رداً على المستدلين به: "في هذا الأثر دليل على أن ما أجمع عليه المسلمون ورأوه حسناً؛ فهو عند الله حسن، لا ما رآه بعضهم! فهو حجة عليكم".
وقال ابن قدامة في "روضة الناظر"(ص86): "الخبر دليل على أن الإجماع حجة،
ولا خلف فيه".
وقال الشاطبي في "الاعتصام" (2/655): (إن ظاهره يدل على أن ما رآه المسلمون بجملتهم حسناً؛ فهو حسنٌ، والأمة لا تجتمع على باطلٍ، فاجتماعهم على حسن شيءٍ يدل على حسنه شرعاً؛ لأن الإجماع يتضمن دليلاً شرعياً").
3- قال الإمام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/613- 614) في كلامه على المواسم المبتدعة من موالد وغيرها: (إذا فعلها قوم ذوو فضل ودين فقد تركها في زمان هؤلاء، معتقداً لكراهتها، وأنكرها قوم إن لم يكونوا أفضل ممن فعلها؛ فليسوا دونهم. ولو كانوا دونهم في الفضل فقد تنازع فيها أولو الأمر، فترد إلى الله والرسول.وكتاب الله وسنة رسوله مع من كرهها، لا مع من رخص فيها.
ثم عامة المتقدمين، الذين هم أفضل من المتأخرين؛ مع هؤلاء) اهـ.
4- قال العلامة ابن منيع - حفظه الله - في "حوار مع المالكي" (ص90): (نقول للمالكي وأمثاله من أول من استحسن المولد من العلماء، هل هم أصحاب رسول الله r ؟
قطعاً: لا..
هل هم التابعون؟
قطعاً: لا..
هل هم تابعو التابعين؟
قطعاً: لا...
هل هم قادة القرامطة والفاطميين والرافضة بمختلف طوائفهم ونحلهم؟
اللهم: نعم..
هل هم أهل الطرق الصوفية؟
اللهم: نعم) انتهى كلامه بتصرف.
(فهل نقبل أمرا أتى به شر من وطأ الحصا، القرامطة والفاطميون وغيرهم، ممن يشهد التاريخ الإسلامي بتدنيسهم محيا الإسلام، ونترك ما عليه أصحاب القرون الثلاثة المفضلة، من صحابة وتابعين وعلماء إجلاء، لهم أقداحهم المعلاة في العلم والتقى، والصلاح والاستقامة وسلامة المعتقد، ودقة النظر وصدق الاتباع والاقتداء بمن أمرنا الله تعالى أن نجعله أسوة لنا وقدوة لمسالكنا وهو رسولنا وحبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم).
عابرسبيل- مشرف
-
[img]https://2img.net/h/oi45.tinypic.com/8vuutv.jpg[/img
عدد المساهمات : 510
تاريخ التسجيل : 08/08/2010
الموقع : http://www.salafi.com/
رد: الرد المسدد على من أجاز بدعة المولد
الشبهة الثالثة عشر: دعوى تلقي الأوامر النبوية بالاحتفال بذلك اليوم في المنام!
فقد ورد في مقدمة مولد محمد عثمان الميرغني المسمى"الأسرار الربانية"(ص7):
(رأيت في تلك الليلة النبي صلى الله عليه وسلمرؤية مناميه، ورؤيته حق كما أورد عنه ثقات الرواة بطرق الإحصان، فأمرني أن أصنف مولداً وأجعل إحدى قافيتيه هآءً بهية، والأخرى نوناً كما فعلت لأنها نصف دائرة الأكوان وبشرني أنه يحضر في قراءته إذا قرىء فسطرت ليتشرف به كلما تلي حكاية نوميه وأنه يستجاب الدعاء عند ذكر الولادة وعند الفراغ منه فنسأل الله الغفران) انتهى.
الجواب:
(أن الاعتماد على دعوى تلقي أوامر نبوية في المنام بالاحتفال بالمولد النبوي فلا يعتبر لأن الرؤيا في المنام لا تثبت بها سنة لم تثبت ولا تبطل بها سنة ثبتت كما بينه أهل العلم.
فقد قال الإمام النووي في شرح قول مسلم في "الكشف عن معايب رواة الحديث" من "صحيحه " (1/115): (لا يجوز إثبات حكم شرعي به - أي بالرؤيا المناميه - لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي وقد اتفقوا على أن من شرط من تقبل روايته وشهادته أن يكون متيقظاً لا مغفلاً، ولا سيئ الحفظ ولا كثير الخطأ ولا مختل الضبط والنائم ليس بهذه الصفة فلم تقبل روايته لاختلال ضبطه.
هذا كله في منام يتعلق بإثبات حكم على خلاف مايحكم به الولاة.
أما إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلميأمره بفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه أو يرشده إلى
فعل مصلحة فلا خلاف في استحباب العمل على وفقه لأن ذلك ليس حكماً بمجرد المنام
بل بما تقرر من أصل ذلك الشيء والله أعلم) اهـ.
وقال ابن الحاج في "المدخل" (4/302–304): (ليحذر مما يقع لبعض الناس في هذا الزمان وهو أن من يرى النبي صلى الله عليه وسلمفي منامه فيأمره بشيء أو ينهاه عن شيء ينتبه من نومه فيقدم على فعله أو تركه بمجرد المنام دون أن يعرضه على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى قواعد السلف رضي الله عنهم قال تعالى في كتابه العزيز: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ))[النساء:59[.
ومعنى قوله: ((فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ)) أي إلى كتاب الله تعالى، ومعنى قوله: (( وَالرَّسُول)) أي إلى الرسول في حياته وإلى سنته بعد وفاته على ما قاله العلماء رحمة الله عليهم وإن كانت رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حقا لا شك فيها لقوله صلى الله عليه وسلم: { ومن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي } على اختلاف الروايات، لكن لم يكلف الله تعالى عباده بشيء مما يقع لهم في منامهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: { رفع القلم عن ثلاثة } وعد منهم { النائم حتى يستيقظ } لأنه إذا كان نائماً فليس من أهل التكليف فلا يعمل بشيء يراه في نومه.
هذا وجه؛ ووجه ثان وهو أن العلم والرواية لا يوخذان إلا من متيقظ حاضر العقل والنائم ليس كذلك.
ووجه ثالث: وهو أن العمل بالمنام مخالف لقول صاحب الشريعة صلوات الله عليه وسلامه حيث قال: { تركت فيكم الثقلين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله و سنتي } فجعل صلى الله عليه وسلم النجاة من الضلالة في التمسك بهذين الثقلين فقط لا ثالث لهما.ومن اعتمد على ما يراه في نومه فقد زاد لهما ثالث فعلى هذا من رأى النبي صلى الله عليه وسلمفي منامه وأمره بشيء أو نهاه عن شيء
فيتعين عليه عرض ذلك على الكتاب والسنة إذ إنه صلى الله عليه وسلمإنما كلف أمته باتباعهما وقد قال
صلى الله عليه وسلم: { فيبلغ الشاهد الغائب } إلى ان قال: (فإذا عرضها على شريعته صلى الله عليه وسلم فإن وافقتها علم أن الرؤيا حق وأن الكلام حق وتبقى الرؤيا تأنيساً له وإن خالفتها علم ان الرؤيا حق وأن الكلام الذي وقع له فيها ألقاه الشيطان له في ذهنه والنفس الأمارة لأنهما يوسوسان له في حال يقظته فكيف في حال نومه … الخ).
وقال الإمام الشاطبي في "الاعتصام" (1/ 209): (الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعاً على حال إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية فإن سوغتها عمل بمقتضاها وإلا وجب تركها والإعراض عنها وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة وأما استفادة الأحكام فلا) اهـ.
وقال الإمام ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/94) تعليقاً على ما ذكره الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن كثير أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبابكر وعمر وهابيل واستحلف هابيل أن هذا
- أي الدم الموجود بالمكان الذي يقال - بأنه هو الذي قتل فيه قابيل أخاه هابيل المسمى بمغارة الدم بدمشق - دمه - أي هابيل - فحلف له وذكر أنه سأل الله تعالى أن يجعل هذا المكان يستجاب عنده الدعاء فأجابه إلى ذلك وصدقه في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إنه وأبا بكر وعمر يزورون هذا المكان في كل يوم خميس) قال ابن كثير تعليقاً على ذلك ما نصه: (هذا منام لو صح عن أحمد بن كثير هذا لم يترتب عليه حكم شرعي) اهـ).
وقد نقلت فيما سبق أثناء الرد على من استدل بقصة تخفيف العذاب عن أبي لهب
الضعيفة كلاماً لعلوي بن عباس المالكي- والد محمد المالكي- في "نفحات الإسلام من البلد الحرام"والذي جمع مواضيعه ورتبه محمد بن علوي المالكي نفسه (ص164-165) حول عدم شرعية أخذ الأحكام من المنامات.
لشبهة الرابعة عشر: قول السخاوي رحمه الله في "التبر المسبوك" (ص14): (إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيداً أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر).
استدل بهذا القول هاشم الرفاعي في مقاله كما في"الرد القوي" للتويجري (ص25).
الجواب:
(لا شك أن الاحتفال بالمولد النبوي واتخاذه عيداً مبني على التشبه بالنصارى في اتخاذهم مولد المسيح عيداً.
وهذا مصداق ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر
وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه.قلنا: يارسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ } رواه البخاري ومسلم وأحمد.
وإذا عُلم أن عيد المولد مبني على التشبه بالنصارى فليُعلم أيضاً أن التشبه بالنصارى وغيرهم من المشركين حرام شديد التحريم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: { من تشبه بقوم فهو منهم } رواه أحمد وأبو داود).
وقد تعقب هذا القول الملا علي القارئ في "المورد الروي في المولد النبوي" (ص16) بقوله:
(قلت لكن يرد عليه أنا مأمورون بمخالفة أهل الكتاب).
الشبهة الخامسة عشر: أن الاحتفال بالمولد يعتبر إحياء لذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا مشروع في الإسلام.
الجواب:
أولاً: (النبي صلى الله عليه وسلمقد قال الله في حقه: ((وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ))[الشرح:4[ فذكره مرفوع في الأذان والإقامة والخطب والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وفي قراءة الحديث واتباع
ماجاء به، فهو أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط، ولكن الأمر كما قال السيد رشيد رضا في كتابه "ذكرى المولد النبوي" قال - أي السيد رشيد رضا-: (إن من طباع البشر أن يبالغوا في مظاهر تعظيم أئمة الدين أو الدنيا في طور ضعفهم - أي البشر - في أمر الدين أو الدنيا؛ لأن هذا التعظيم لا مشقة فيه على النفس، فيجعلونه بدلاً مما يجب عليهم من الأعمال الشاقة التي يقوم بها أمر الدين أو الدنيا، و إنما التعظيم الحقيقي بطاعة المعظم، والنصح له، والقيام بالأعمال التي يقوم بها أمره ويعتز دينه إن كان رسولاً، وملكه إن كان ملكاً.
وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم ثم للخلفاء، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل، ولكنهم دون أهل هذه القرون التي ضاع فيها الدين في مظاهر التعظيم اللساني، ولا شك أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بكل تعظيم، وليس من
التعظيم الحق له أن نبتدع في دينه بزيادة أو نقص أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به، وحسن
النية لا يبيح الابتداع في الدين فقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم
عن حسن نية، ومازالوا يبتدعون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت أديانهم غير
ما جاءت به رسلهم، ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا، وكما تساهل الخلف الذين اتبعوا سننهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع لضاع أصل ديننا أيضاً، ولكن السلف الصالح
حفظوا لنا الأصل فالواجب علينا أن نرجع إليه، ونعض عليه بالنواجذ) اهـ.
هذا مع أن الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان بطريق القياس على الاحتفالات بالرؤساء صار
النبي r ملحقاً بغيره وهذا ما لا يرضاه عاقل).
ثانياً: (ما زعمه المالكي وغيره من أن الاجتماع في المولد لإحياء ذكرى المصطفى صلى الله عليه وسلم، أمر مشروع في الإسلام فهو من التقوّل على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى لم يشرع الاجتماع لإحياء ذكرى المصطفى صلى الله عليه وسلم لا في يوم المولد ولا في غيره من الأيام، ولم يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بقوله ولا بفعله).
ثالثاً: (من أكبر الخطأ أيضاً زعم ابن علوي وغيره أن أعمال الحج هي إحياء لذكريات مشهودة إلى آخر كلامه الذي تقدم ذكره.
وهذا الخطأ مردود بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: { إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة
ورمي الحجار لإقامة ذكر الله } رواه أبو داود و الترمذي و قال الترمذي حديث حسن
صحيح) .
الشبهة السادسة عشر : قالوا ان الاحتفال بالمولد ليس بدعة بل هو سنة حسنة لقوله عليه الصلاة والسلام ( من سن في الاسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ..... الحديث ) رواه مسلم .
الجواب :
قال شيخ صالح الفوزان : (هذا الحديث لا يدل على ما يقوله هؤلاء؛ لأن الرسول لم يقل من ابتدع بدعة حسنة، وإنما قال: "من سن سنة حسنة"، والسنة غير البدعة، السنة هي ما كان موافقًا للكتاب والسنة، موافقًا للدليل، هذا هو السنة؛ فمن عمل بالسنة التي دل عليها الكتاب والسنة؛ يكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة؛ يعني: من أحيا هذه السنة وعلمها للناس وبينها للناس وعملوا بها اقتداءً به؛ فإنه يكون له من الأجر مثل أجورهم، وسبب الحديث معروف، وهو أنه لما جاء أناس محتاجون إلى النبي صلى الله عليه وسلم من العرب، عند ذلك رق لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأصابه شيء من الكآبة من حالتهم، فأمر بالصدقة وحث عليها، فقام رجل من الصحابة وتصدق بمال كثير، ثم تتابع الناس وتصدقوا اقتداءً به؛ لأنه بدأ لهم الطريق، عند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من سن في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها"؛ فهذا الرجل عمل بسنة، وهي الصدقة ومساعدة المحتاجين، والصدقة ليست بدعة؛ لأنها مأمور بها بالكتاب والسنة، فهي سنة حسنة، من أحياها وعمل بها وبينها للناس حتى عملوا بها واقتدوا به فيها؛ كان له من الأجر مثل أجورهم(انتهى من المنتقى من فتاوى فضيلةالشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، 1/173، رقم الفتوى في مصدرها: 96.
الشبهة السابعة عشر : إستدلالهم بقوله تعالى { وكلاً نقص عليك من أنبــــــاء الرســل ما نثبت به فــــــؤادك }. هود [120] .
قالوا : فكما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قص عليه القرآن قصص الأنبياء السابقين ، ليعتبر بها ، وليثبت على الحق وعلى أداء الرسالة كما أمر ، ونحن أشد افتقاراً وحاجة إلى أن نقرأ سيرته صلى الله عليه وسلم ونتدارسها ، فمن ثم عملنا هذا " المولد " .
والجواب على هذا : أن يقال : إن هذا الاستدلال غريب ، فالآية ومعناها في واد ، وما استدلوا بها عليه في واد آخر ، ونحن لم نختلف معهم أبداً في مشروعية دراسة السيرة النبوية ، بل في الاحتفال بالمولد ، وأين هذا من هذا ؟
ولو كنا أنكرنا عليهم قراءة السيرة وتعلمها ، لكان لهم أن يستدلوا بهذه الآية ، وبغيرها من الآيات الكثيرة التي ذكرالله فيها من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في غزواته ، كغزوة بدر( سـورة الأنفال ) وأحد ( ســورة آل عمران ) والأحـــزاب ( سورة الأحزاب ) ... الخ .
وإنما الذي ننكره عليهم هو بدعة الاحتفال بالمولد . أما دراسة السيرة والشمائل النبوية فنحن أحرص منهم عليها . والواقع والتاريخ يشهد أن سلفنا من أهل السنة هم الذين حفظ الله بهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وشمائله وجميع شئونه ، فهي مدونة في كتب " الحديث " و" السيرة " و" الشمائل " ويوجد طرف منها في سائر العلوم الأخرى ، ككتب التفسير والفقه والأدب والتاريخ والزهد وغيرها .
فالفضل يرجع في حفظها وروايتها وتدوينها وتحملها وتبليغها ، بعد الله تعالى ، إلى الرواة من أهل السنة ، فهم أحق بها وأهلها .
فأصحاب الكتب الستة المشهورة : صحيح البخاري ومسلم والسنن الأربعة إضافة إلى مسند أحمد ومعاجم الطبراني .. وهلم جراً ، كلهم من علماء السنة وأئمتها ، ليسوا من أهل " المولد " .
وأصحاب كتب السير ، كسيرة ابن اسحق وسيرة ابن هشام وتاريخ الطبري والذهبي وابن كثير ... الخ ، كلهم من علماء " السنة " لا " البدعة " .
ومن ظن أن دراسة السيرة لا تكون إلا " بالمولد " فقد أخطأ وزلَّ . ومن ظن أن ثبات قلبه على الحق لا يتم إلا بعمل البدع فقد خاب وضلَّ
الشبهة الثامنة عشر : قالوا : إن " المولد " ليس من العبادات ، التي يدخل فيها الابتداع ، بل هو من العادات ، التي هي في الأصل مباحة ، استناداً إلى البراءة الأصلية .
والجواب على ذلك من وجوه :
1 – أننا لا نسلم أن " المولد " من العادات ، فإنه يشتمل على جملة من العبادات والقربات : كقراءة القرآن ، والذكر ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقراءة السيرة النبوية ، وهذه كلها عبادات لا عادات .
2 – أن هذا يناقض دعوى أكثر المحتفلين " بالمولد " ، لأنهم يرونه من القربات ، ولهذا احتجوا عليه بالأدلة الشرعية ، من القرآن والسنة والقياس ، كما تقدم ذكربعضها في هذا الكتاب .
3 – يؤيد ذلك ، أن أكثرهم أقروا ببدعة " المولد " ، لكنهم قالوا : إنه بدعة حسنة ، لاشتماله على عبادات مشروعة منصوص على أفرادها ، وقياساً على تقسيم البدع إلى قسمين ، أو أكثر .
4 – بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك ، فجعلوا " المولد " من السنن الحسنة ، ونفوا عنه وصف البدعة ، واحتجوا على ذلك بعمومات الأدلة التي تنص على استحباب القراءة والذكر ودراسة العلم والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم .
بل إننا سمعنا من شط ّ منهم وصرح بوجوب فعل " المولد " ، إما باللفظ الصريح ، وإما باللزوم ، حيث قال : إن الاحتفال " بالمولد " دلالة على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وإجلاله ، ومعلوم – قطعاً – أن ذلك من الفرائض والواجبات لا من المستحبات .
وسمعت ، أكثر من مرة ، من يرمي المنكرين " للمولد " ، بأنهم مبغضون للرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو رمي بالكفر ، شعر القائل بذلك أم لم يشعر .
وكلّ هذا ينقض دعوى من يزعم أن " المولد " من العادات .
5- ثم لو كان " المولد " " عادة " من جملة " العادات " ، فلمَ كل تلك " الضجة " وذلك " الصخب " وتلك المناظرات والخصومات ، بل والتهم والقذف بين الفريقين ، المؤيد " للمولد " والمنكر له ؟ أيعقل أن يكون كل ذلك من أجل عادة من العادات ؟.
6 – ونقول أخيراً : إن القول بأن " المولد " من العادات ، ليس مذهباً للقوم ، ولا لبعضهم ، وإنما هو قول اخترعه بعض المتحذلقين منهم ، من أجل إفحام خصومهم ، المنكرين " للمولد " .
فإنهم ، لما رأوا حجج المنكرين منصبة على مسألة الابتداع في الدين ، ورأوا أن كفتهم راجحة ، لقوة تلك الحجج ، وتواتر الأدلة من الكتاب والسنة ، وإجماع سلف الأمة ، على ذم البدعة والتحذير منها ، ورأوا أن وصف البدعة لازم " للمولد " وللقائمين عليه ، أرادوا التنصّل من ذلك الوصف ، فاخترعوا القول بأنه عـــــــــادة لا عبــــادة .
الشبهة التاسعة عشر :الاحتجاج بفعل أكثر الناس ، وبتأييد كثير من العلماء ، وتحسينهم " للمولد
الجواب : هذه الشبهة لا تختلف عن الشبهة الثانية والرد عليها من أوجه :
1 – أن الاحتجاج بالكثرة ، من العامة والعلماء ، ليس دليلاً شرعياً معتبراً ، ولم ينقل عن أحد من علماء الملة ، الاستدلال بالكثرة في مسائل الخلاف ، وإنما يستدل بها مَن عَدِم الدليل والحجة ، وعَجزَ عن المناظرة والمحاجَّـة .
2 – أن الأدلة الشرعية منحصرة في نصوص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة ، وأما ما سوى ذلك ، كالقياس ، وقول الصحابي ، وعمل أهل المدينة في عصر الخلفاء الراشدين ، والاستحسان ، والاستصحاب .... وغيرها من الأدلة ، فإن من يحتج بها يشترط أن لا تخالف نصاً شرعياً .
أما مذهب الأكثرين ، وأقوال العلماء والمفتين ، فإنها لا تعد دليلاً في ذاتها ، فضلاً عن أن يعارض بها نصوص الشرع ، وهذا محل اتفاق بين العلماء كافة ، ونصوصهم صريحة في ذلك .
3 – أن نصوص الكتاب والسنة ، والآثار المروية عن سلف الأمة ، دلت على أن مذهب الأكثرية ليس بحجة .
قال الله تعالى { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } يوسف [ 103 ] .
وقال { وإن كثيراً من الناس لفاسقون } المائدة [ 49 ] .
وقال سبحانه { وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين } الأنعام [ 119 ] .
وقال { ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون } يس [ 62 ] .
وقال تعالى { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } الأعراف [ 187 ] .
وقال الله تعالى { ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } هو [ 17 ] .
وقال { ولكن أكثر الناس لا يشكرون } يوسف [ 38 ] .
والآيات في هذا المعنى أكثر من أن تحصر .
وأما السنة ، فقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى في حديث الفرق ، حين قال (( وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة )) ثم فسرها بأنها الجماعة . انظر السنة للالكائي [ 1/101 ] .
وقد فسر الصحابة معنى " الجماعة " بغير ما يفهمه بعض الناس من أنها الكثرة الغالبة ، فقال ابن مسعود رضي الله عنه لمن سأله " كيف لنا بالجماعة " ؟ فقال " إن جمهور الجماعة هي التي تفارق الجماعة ، إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك "" رواه اللالكائي في السنة [ 1/109 ] .
* وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء )) رواه مسلم [ 145 ] .
زاد الترمذي من طريق آخر (( الذين يُصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي )) [2630] .
ورواه الإمام أحمد من طريق آخر بلفظ (( طوبى للغرباء ، فقيل : من الغرباء يا رسول الله ؟ قال : أناس صالحون في أناس سوءٍ كثير ، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم )) [ 2/177 ] .
* وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أموراً ستحدث لأمته في آخر الزمان ، منها :
أ – رفع العلم وفشو الجهل . انظر صحيح البخاري [ 7062 ] .
ب – وقال (( لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم )) انظر صحيح البخاري [ 7068 ] .
وقد جاء تفسير هذا الحديث من كلام ابن مسعود حيث قال " لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة ، لست أعني رخاءً من العيش يصيبه ، ولا مالاً يفيده ، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علماً من اليوم الذي مضى قبله ، فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فعند ذلك يهلكون " . انظر فتح الباري [ 13/21 ] .
ج – ذهاب الإسلام ورفع القرآن . حيث قال صلى الله عليه وسلم (( يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يُدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة . وليُسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية .. )) الحديث . رواه ابن ماجه [4049] .
* أما الآثار عن الصحابة وأئمة السلف في غربة الدين وأهله وكثرة المخالفين ، فإنها أيضاً كثيرة جداً .
* ومن ذلك قول ابن مسعود المتقدم " إن جمهورالجماعة هي التي تفارق الجماعة ".
* ومنه قول أنس رضي الله عنه ، لما دخل عليه الزهري فرآه يبكي ، فسأله فقال " لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة ، وهذه الصلاة قد ضيعت " رواه البخاري [ 530 ].
* ومنه قول أبي الدرداء رضي الله عنه " لو خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم ، ما عرف شيئاً مما كان عليه هو وأصحابه ، إلا الصلاة ، " قال الأوزاعي " فكيف لو كــان اليوم " ؟ ، قال عيسى بن يونس " فكيف لو أدرك الأوزاعي هذا الزمان " ؟ انظر البدع لابن وضاح [ 129 ] . وروى نحوه البخاري [ 650 ].
* وقول يونس بن عبيد " ليس شيء أغرب من السنة ، وأغرب منها من يعرفها " . رواه اللالكائي في السنة [ 1/58 ] .
* وقول الحسن البصري " لو أن رجلاً أدرك السلف الأول ، ثم بُعث اليوم ، ما عرف من الإسلام شيئاً إلا هذه الصلاة " . انظر البدع لابن وضاح [140] .
* وقول ميمون بن مهران " لو أن رجلاً نُشر فيكم من السلف ، ما عرف فيكم غير هذه القبلة " . انظر البدع لابن وضاح [ 141 ] .
* وقول ابن المبارك " اعلم – أي أخي – أن الموت اليوم كرامة لكل مسلم لقي الله على السنة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، فإلى الله نشكوا وحشتنا ، وذهاب الإخوان ، وقلة الأعوان ، وظهور البدع ، وإلى الله نشكوا عظيم ما حل بهذه الأمة من ذهاب العلماء وأهل السنة وظهور البدع " . انظر البدع لابن وضاح [ 88 ] .
* وقول سفيان الثوري " إذا بلغك عن رجل بالمشرق صاحب سنة، وآخر بالمغرب ، فابعث إليهما بالسلام وادع لهما ، ما أقل أهل السنة والجماعة " رواه اللالكائي في السنة [ 1/64 ] .
قلت : فإذا كانت شكوى أولئك السلف ، من الصحابة والتابعين ، من غربة السنة والدين ، في تلك القرون المفضلة ، فكيف بالقرون المتأخرة ؟ فهل يصح بعد هذا أن يحتج أحد على بدعته بالكثرة ؟ .
4 – أنه يلزم من الاحتجاج بالكثرة في المسائل أن يكثر الإنسان التلون في دين الله ، والتنقل من رأي إلى رأي ، ومن مذهب إلى مذهب ، لأن الزمان متقلب ، فربما يأتي زمان يكثر فيه القائلون بأقوال واعتقادات باطلة ، فيحتج لها مؤيدوها بالكثرة ، ثم لا تلبث برهة حتى يفنى القائلون بها ، أو يقل عددهم ، ويأتي آخرون بأقوال أخرى مناقضة لتلك ، ويكثرون ، ... وهكذا .
فمن يحتج بالكثرة ، أو بالغلبة ، فإنه يلزمه على ذلك ، أن يتنقل في المذاهب والأقوال ، مائلاً إلى جانب الكثرة . وهذا التلون ، وهو التنقل من مذهب إلى مذهب ، قد حذر منه السلف ، فقد قال حذيفة رضي الله عنه " اعلم أن الضلالة ، حق الضلالة ، أن تعرف ما كنت تنكر ، وأن تنكر ما كنت تعرف ، وإياك والتلون في دين الله تعالى ، فإن دين الله واحد " . رواه اللالكائي في السنة [ 1/90 ] .
5 – ثم إننا لا نسلم بأن المؤيدين " للمولد " هم الأكثر ، لأن هذه الأكثرية مفتقرة إلى إحصاء دقيق ، والزعم بأن المحتفلين " بالمولد " ، أو المستحسنين له من العلماء ، أكثر ممن ينكرونه ، دعوى لا برهان عليها .
نعم يمكن أن يقال : إنهم كثير ، لكن الدعوى بأنهم أكثر وأغلب ، هي محل شك كبير.
قال شيخ الإسلام رداً على المحتجين بكثرة المؤيدين للبدع " إذا فعلها قوم ذوو فضل ودين ، فقد تركها في زمان هؤلاء ، معتقداً لكراهتها ، وأنكرها ، قوم إن لم يكونوا أفضل ممن فعلها فليسوا دونهم .
ولو كانوا دونهم في الفضل ، فقد تنازع فيها أولوا الأمر ، فترد إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وكتاب الله وسنة رسوله مع من كرهها ، لا مع من رخص فيها. ثم عامة المتقدمين ، الذين هم أفضل من المتأخرين ، مع هؤلاء " ا هـ . انظر الاقتضاء [ 2/610 ] .
الشبهة العشرون : إلزام القائلين ببدعية " المولد " ، بالحكم على المحتفلين به ، من العامة ، والمؤيدين له من العلماء ، بالضلال والهلاك .
والجواب على ذلك الإلزام من وجوه :
1 – أن الذي حكم على البدع والمحدثات ، بالضلال والهلاك ، هو المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم حيث قال (( فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار )) .
وقال عن الفرق المخالفة : (( كلها في النار إلا واحدة )) .
فالإلزام إذاً ، لا يلزمنا نحن ، بل يلزم من حكم به في الأصل ، ونحن أطعناه في ذلك الحكم ، قولاً وعملاً واعتقاداً .
2 – وقد حكم الله تعالى ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، على معاص ٍ كثيرة بالهلاك والعذاب في النار ، فليس الحكم خاصاً بالمحدثات والبدع .
3 – والحكم العام على العمل ، أوالعامل ، بالضلال أو الهلاك ، لا يقتضي بالضرورة الحكم على كل العاملين .
فقول النبي صلى الله عليه وسلم (( ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار )) رواه البخاري .
وقوله (( من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة )) متفق عليه .
انظر جامع الأصول [ 10/ 636 – 637 ] .
لا يقتضي أن كل من أسبل إزاره ، أو جر ثوبه خيلاء ، أن يحصل له العذاب المذكور في هذين الحديثين .
لأنه قد يكون له حسنات ماحية ، أو مصائب مكفـِّرة ، أو شفاعة مقبولة ، أو عفو إلهي من غير سبب من تلك الأسباب ، قال تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } .
ومرد أمور الثواب والعقاب إلى الله تعالى وحده .
فكذلك القول فيمن تلبّس بشيء من البدع والأهواء .
4 – وقد يعذر المحتفلون بالمولد ، والمؤيدون له من العلماء كذلك ، إن اجتهدوا وأخطأوا ، ظناً منهم أن هذا العمل يقرب إلى الله ، إذا لم يقصدوا المحادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا التعصب لأقوال المخالفين ، كما نص على ذلك القرآن ، في قوله تعالى { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً } الأحزاب [ 5 ] .
قال ابن كثير " فإن الله تعالى قد وضع الحرج في الخطأ ، ورفع إثمه ، كما أرشد إليه في قوله تعالى آمراً عباده أن يقولوا { ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } . وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قــــــــال الله عـز وجـل : قد فعلت .
وفي صحيح البخاري عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر )) . وفي الحديث الآخر (( إن الله تعالى رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما يكرهون عليه )) " . انتهى كلام ابن كثير .
قلت : فقد دلت النصوص ، على رفع الإثم والحرج عن المخطئين من عامة الأمة ، وعلى أجر المجتهدين منها خاصة .
ومرد ذلك كله إلى الله تعالى { هو أعلم بمن اتقى } .
قال ابن تيمية ، في معرض حديثه عن المبتدع ، " قد يكون متأولاً في الشرع ، فيغفر له لأجل تأويله ، إذا كان مجتهداً الاجتهاد الذي يُعفى معه عن المخطئ ، ويثاب أيضاً على اجتهاده ، لكن لا يجوز اتباعه في ذلك ، كما لايجوز اتباع سائر من قال أو عمل ، قولاً أو عملاً ، قد عُلم الصواب في خلافه ، وإن كان القائل أو الفاعل ، مأجوراً أو معذوراً " ا هـ . الاقتضاء [ 2/580 ].
وقال في موضع آخر " فإن قيل : إن هذه المواسم – مثلاً – فعلها قوم من أولي العلم والفضل ، الصديقين فمن دونهم ، وفيها فوائد ..
قلنا : لاريب أن من فعلها متأولاً مجتهداً ، أو مقلداً ، كان له أجر على حسن قصده ، وعلى عمله ، من حيث ما فيه من المشروع ، وكان ما فيه من المبتــدَع مغفوراً له " ا هـ . باختصار . الاقتضاء [ 2/608 – 609 ] .
قلت : مراده أنه يؤجر على حسن قصده ، ويؤجر كذلك ، على ما تضمنته تلك المواسم المحدثة من عبادات مشروعة ، كالذكر مثلاً ، وأما ما فيها من الابتداع ، فإنه يغفر له ذلك .
وقد نص شيخ الإسلام على احتمال إثابة المحتفلين " بالمولد " فقال " والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ، لا على البدع " . الاقتضاء [ 2 / 615 ] .
وقال أيضاً " فتعظيم المولد ، واتخاذه موسماً ، قد يفعله بعض الناس ، ويكون له فيه أجر عظيم ، لحسن قصده ، وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قدمته لك ، أنه يحسن من بعض الناس ، ما يُستقبَحُ من المؤمن المسدَّد " انظر الاقتضاء [2/617] .
وقد ظن بعض من لا فقه له ولا نظر ، أن ابن تيمية يؤيد الاحتفال بالمولد ، بقوله ذاك ، وليس الأمر كما ظنوا ، فقد صرح ابن تيمية في كلامه بأن المولد بدعة ، حيث قال " وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام ، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيماً ، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ، لا على البدع ، من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً ، مع اختلاف الناس في مولده ، فإن هذا لم يفعله السلف ، مع قيام المقتضي له ، وعدم المانع فيه ، لو كان خيراً .
ولو كان هذا خيراً محضاً ، أو راجحاً ، لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا ، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا ، وهم على الخير أحرص .
وإنما كمال محبته وتعظيمه ، في متابعته ، وطاعته ، واتباع أمره ، وإحياء سنته ، باطناً وظاهراً ..."
إلى أن قال " وأكثر هؤلاء ، الذين تجدهم حراصاً على أمثال هذه البدع ، مع مالهم فيها من حسن القصد والاجتهاد ، الذي يُرجى لهم بهما المثوبة ، تجدهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه .. " ا هـ .
قلت : فهل في هذا الكلام تأييد " للمولد " ، أم إنكار له ؟ .
وانظر كلامه رحمه الله في مجموع الفتاوى [ 23/133 ] و [ 25/298 ] ، ففيه تصريح ببدعية " المولد " .
والمقصود : أن العذر ، أو الأجر ، لمن أخطأ من الناس ، أو من العلماء ، في مسألة " المولد " ، قد دلت عليه نصوص الشرع ، من الكتاب والسنة .
* ويدل على ذلك قصة الرجل الذي أسرف على نفسه بالمعاصي ، ثم أمر بنيه أن يحرقوه بعد موته ، ويذرّوا نصفه في البر ونصفه في البحر ، ظناً منه أن الله تعالى لن يقدر على جمعه ، حيث قال " لعلي أن أضل الله " فغفر الله له . انظر جامع الأصول [10/350] وفتح الباري [ 6/523 ] .
* ويدل عليه أيضا قصة الرجل الآخر الذي ضلت راحلته ، فلما وجدها قال " اللهم أنت عبدي وأنا ربك " أخطأ من شدة الفرح . انظر جامع الأصول [ 2/510 ] .
الشبهة الواحد والعشرون : إحتجاجهم بقيام العلماء في السعودية بدورة حول حياة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله .
والجواب :
1-الحجة في كلام الله ورسوله وليس في أحد من البشر فلسنا متعصبين لأحد
2-قال الشيخ صالح الفوزان في رده على هذه الشبهة : زعموا أن الموالد مثل المحاضرات والدروس والعلمية.
يجاب عن هذا بالاعتراض، فليست الموالد كالمحاضرات والدروس العلمية..
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه، ويقرر لهم الدروس والخطب، وخصص يوما للنساء يعلمهن فيه، فإذن الدروس والخطب والمحاضرات مشروعة، شرعها النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وأمره: ( بلغوا عني ولو آية)..
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع الناس ليخطب فيهم نادى بهم ليجتمعوا، فيجتمعوا، فيلقي عليهم ما أراد تعليمهم، والإعلان عن الدروس والمحاضرات هو من هذا النوع الذي كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم مثلا بمثل، سواء بسواء..
فأين هذا من المولد؟..
هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بين جواز جمع الناس لتعليمهم أمور دينهم، إذ لا يمكن تعليم الناس إلا بهذه الطريقة، أو قل هو طريق عظيم لتعليم الناس، لكنه ما بين للناس جواز أن يجتمعوا لأجل المولد، الذي في الحقيقة ليس فيه تعليم بشيء، إلا شيئا واحدا هو ذكر أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يصل الأمر إلى الغلو والمنكر..
وهذه الموالد حتى في حال خلوها من الغلو والمنكرات ليس فيها تعليم ولا تفقيه..
والدليل أنك تجد جل الذين يؤمون الموالد لا يفقهون في دين الله شيئا، وذلك أنهم لا يجدون في الموالد شيئا من العلم والفقه إلا المدائح النبوية الغالية والرد على الخصوم في جواز الاحتفال بالمولد...
أما قضايا الفقه والعقيدة وأحوال المسلمين فلا تجد منها شيئا، فكيف يكون طريقا للعلم؟، وكيف يصح تشبيه الموالد بالمحاضرات والدروس العلمية؟..
إن الذي يتابع ويحضر الدروس العلمية والمحاضرات تجده بعد مدة متفقها واعيا، مستدلا على طريق السنة، عارفا بحقيقة أحوال المسلمين، بخلاف الذي يؤم الموالد، لا تجد عنده شيء من ذلك، وهذا مما يؤكد الفرق بين الأمرين.
تلك أبرز شبه القوم، وقد علمنا بطلانها، وتبين لنا كيف أن القوم يحتجون بأي شيء، ولو كان مخالفا للدليل الصريح والعقل الصحيح، وكثير منهم يجادلون بالباطل، ويتبعون أهواءهم، ويكلمون بكلام كثير لا يقصد منه الوصول إلى الحق، بل تغرير عموم القارئين والمستمعين الذين يتابعون ما يدور من كلام.
3-إن إقامة دورة الإمام محمد ابن عبد الوهاب ليست عيدا ولا تتكرر وتاريخها ليس هو تاريخ مولد الشيخ إنما هي دورة كباقي الدورات
4-إن الذين أقاموا دورة للشيخ محمد ابن عبد الوهاب كذلك أقاموا دورة السيرة النبوية وهي مسجلة ومنشورة في النت بحمد الله
1- سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة (سماحة الشيخ/عبد العزيز آل الشيخ )
http://www.al-daawah.net/page.php?pg...=85&cat_id=18#
2- بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ( الشيخ/ صالح بن محمد اللحيدان )
http://www.al-daawah.net/page.php?pg...=86&cat_id=18#
3- هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في العهد المكي ( الشيخ/ د.صالح بن فوزان الفوزان )
http://www.al-daawah.net/page.php?pg...=87&cat_id=18#
4- لـــــقــــــاء مـــفــــتــــــوح ( الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان )
http://www.al-daawah.net/page.php?pg...=88&cat_id=18#
إذن هناك فرق بين الإحتفال بعيد يعود كل سنة وبين إقامة دورات ودروس للذكرى والإعتبار دون تخصيص لزمان أو مكان على وجه التعبد .
الشبهة الثانية والعشرون : إحتجاجهم بما ورد عن الإمام الذهبي وابن كثير رحمهما الله تعالى في تواريخهم ماحكاه المؤرخون عن صاحب إربل السلطان مظفر الدين أبي سعيد كوكبري من احتفاله بالمولد النبوي وتوسعه في ذلك ، فمدحاه ولم يذماه .
والجواب : هذا لا يدل على تجويزهما للاحتفال بالمولد النبوي ، ولو كان كل من حكى من المؤرخين شياً عُدَّ مقراً له ومجوزاً له ، لوقع المؤرخون في الكفر والفسق والبدع وكل شر ، لاسيما وأنهم لا يكفون عن مدح كل أحد بما فيه من خصال حميدة , ولا يدل ذلك على إقرارهم لكل أفعاله ، وإنما نقلا ما نقلا من شأن كوكبري عن سبط ابن الجوزي وكان مما نقلاه قوله: "... ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم " (البداية والنهاية: 13/137 ) فهل يعتقد هؤلاء المضلون أن الذهبي و ابن كثير رحمهما الله تعالى كانا يجيزان سماع الصوفية ورقصهم - أيضاً - لأنهما نقلاه في تاريخيهما ؟. وهذا الملك (كوكبري) كانت لديه بدع أخرى أيضا ، كما قال ابن كثير في المصدر نفسه ( ويعمل للصوفية سماعا من الظهر إلى الفجر يرقص بنفسه معهم ) انتهى ، مع ما له أيضا من الخير والإحسان والبر والجهاد .
*** هذا مع أنه قد يمدح بعض الملوك أو السلاطين لاعمال يقومون بها ، هي مذمومة لو فعلها غيرهم ، والبدعة قد يفعلها جهلة الملوك ، بحسن قصد ، فيثابون على قصدهم الحسن ، وإن كان ما فعلوه بدعة يجب النهي عنها .فحتى لو فرض أن الإمام ابن كثير أثنى على الملك الذي احتفل بالمولد ، فلما يتضمنه ذلك من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته ، وهذا قليل في الملوك ، فحسن من هذا الوجه الثناء به على ذلك الملك ، وإن كان قد يستقبح من المؤمن المسدد ، مع أن هذا لايعني إقرار الإمام ابن كثير بدعة المولد ، بل ثناؤه كان على حسن قصد الملك ، لا على بدعة المولد .
الشبهة الثالثة والعشرون :نسبة جواز الإحتفال لشيخ الإسلام ابن تيمية .
والجواب : هذا من التلبيس على عوام المسلمين وتضليلهم وهو دليل الإفلاس , فقد حكم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في ( اقتضاء الصراط المستقيم : 2/123) ببدعية المولد فقال : " وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام , وإما محبة للنبي r وتعظيماً , والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاحتفال والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي r عيداً ، مع اختلاف الناس في مولده , فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي وعدم المانع منه لو كان خيراً , ولو كان خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله r وتعظيماً له منا ، وهم على الخير أحرص ".
فتأمل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تاماً , وتأمل ما فعله المبتدعة في كلامه من البتر والتجزئة مما يدل على هوى في النفوس وتضليل لعوام المسلمين وإصرار على هذه البدع لما لها من مرود معنوي وحسي عليهم . وغاية ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله - بعد حكمه على بدعة الاحتفال بالمولد وتأكيده على أنه لو كان خيراً لسبقنا إليه السلف - أنه قد يؤجر بعض الناس على محبته للنبي r لا على البدعة , وهو يعني العوام المضللين الذين يزين لهم هؤلاء البدع فيفعلونها محبة للنبي r فقد - للتقليل والشك - يؤجر هؤلاء من جهة المحبة لا من جهة البدعة
وقال شيخ الإسلام كذلك((( فلو أن قوما اجتمعوا بعض الليالى على صلاة تطوع من غير أن يتخذوا ذلك عادة راتبة تشبه السنة الراتبة لم يكره لكن اتخاذه عادة دائرة بدوران الاوقات مكروه لما فيه من تغيير الشريعة وتشبيه غير المشروع بالمشروع ولو ساغ ذلك لساغ أن يعمل صلاة أخرى وقت الضحى أو بين الظهر والعصر أة تراويح فى شعبان أو أذان فى العيدين أو حج الى الصخرة ببيت المقدس وهذا تغيير لدين الله وتبديل له وهكذا القول فى ليلة المولد وغيرها والبدع المكروهة ما لم تكن مستحبة فى الشريعة وهى أن يشرع ما لم يأذن به الله فمن جعل شيئا دينا وقربة بلا شرع من الله فهو مبتدع ضال وهو الذى عناه النبى بقوله " كل بدعة ضلالة " ) مجموع الفتاوى 23/133. .
الشبهة الرابعة والعشرون : قولهم ليس كل ما لم يعمل به السلف بدعة والمولد له حكم المقاصد الحسنة والمصالح المرسلة
والجواب على هذا :
ما كان مقتضاه وموجبه موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو السلف ولم يمنع منه مانع فإن تركه مقصود وفعله بدعة ، ومقتضى الاحتفال بالمولد النبوي موجود وهو الفرح بالرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا مانع منه , فلما تركوه مع ذلك دل على أنه بدعة .
قال الشاطبي رحمه الله :(2)
سكوت الشارع عن الحكم على ضربين :
أحدهما : أن يسكت عنه لأنه لا داعية له تقتضيه ، ولا موجب يقدر لأجله ، كالنوازل التي حدثت بعد ذلك ، فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تقرر في كلياتها ، وما أحدثه بعد السلف الصالح راجع إلى هذا القسم ، كجمع المصاحف وتدوين العلم وتضمين الصناع ، وما أشبه ذلك مما لم يجر له ذكر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن من نوازل زمانه ولا عرض للعمل بها موجب يقتضيها ، فهذا القسم جارية فروعه على أصوله المقررة شرعاً بلا إشكال ، فالقصد الشرعي فيها معروف …
والثاني : أن يسكت عنه وموجبه المقتضي له قائم ، فلم يقرر فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمان ، فهذا الضرب السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع أن لا يزاد فيه ولا ينقص ، لأنه لما كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجوداً ثم لم يشرع الحكم دلالة عليه ، كان ذلك صريحاً في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة ، ومخالفة لما قصده الشارع ، إذ فهم من قصده الوقوف عندما هنالك ، لا زيادة عليه ولا نقصان منه .))
وحاصل كلام الشاطبي رحمهما الله : أن المصالح المرسلة تنقسم باعتبار السبب المحوج إليها إلى أقسام :
القسم الأول : أن يكون السبب أو المقتضي لفعلها موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلوها لكن تركهم لها كان لمانع زال بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فهذا يجوز إحداثه ، الأمثلة على هذا القسم : جمع القرآن –لفظ السلفية-الأنترنت والأشرطة والإذاعة ومكبرات الصوت وغيرها
القسم الثاني : أن يكون المقتضي لفعله موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلوه وليس ثمة مانع ، فهذا ليس بمصلحة ، والقول به تغيير لدين الله كما قال ابن تيمية . إذ لو كان مصلحة أو خيراً لسبقونا إليه .
ويقال لمن استحسن مثل هذه المصالح : إن ترك السلف الصالح للأخذ بهذه المصالح المزعومة ، وأخذك بها ، راجع لأحد أمور أربعة :
الأول : أن يجهل جميعهم هذه المصالح ، وتعلمها أنت !
الثاني : أن يجتمعوا على الغفلة عن هذه المصالح ونسيانها ، وتستدركها أنت !
الثالث : زهدهم في العمل بالمصالح الشرعية ، والرغبة عنها ، وتحرص عليها أنت
الرابع : علمهم وفهمهم أن هذا العمل ليس بمصلحة شرعية،وإن بدا للخلوف أنه مصلحة .
أما الثلاثة الأولى ، فلا يسعه أن يقول بواحد منها لأنه لو فعل ذلك فقد فتح باب الفضيحة على نفسه وخرق الإجماع المنعقد على أن النبي صلى الله عليه وسلم ، الصحابة من بعده هم خير هذه الأمة علماً وعملاً ، كيف لا ؟ والله يقول عنهم : " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه " . وقال صلى الله عليه وسلم : " خير الناس قرني ".
فلو كان الخير في شيء لسبقونا إليه .
ومن الأمثلة على هذا القسم :بدعة المولد –التسبيح بالحصى-الأذكار المبتدعة وغيرها.
الشبهة الخامسة والعشرون : احتجاجهم بمسابقات القرآن الكريم السنوية
والجواب : هذا قياس فساد من عدة أوجه :
1-المسابقات تعتبر وسائل للعبادة وليس عبادة فهي غير مقصودة لذاتها وإنما المقصود منها مصلحة معينة وهي التشجيع على الحفظ فليست متعبدا بها بخلاف المولد فهو يراد به التقرب إلى الله فهو عبادة مبتدعة بذاته.
2-المسابقات ليس لها تاريخ معين يجتمع عليه المسلمون في بقاع الأرض إنما هي تخلف وليس المراد منها التخصيص ولا التعبد ولا يؤثر التقدم أو التأخر فيه موعدها
3-هناك عدة أدلة تحث على المسابقة بما فيه نفع للإسلام كالرمي والمسابقة بالخيل مع التشجيع على ذلك بالجوائز ولا يوجد أدنى دليل على الإحتفال بالمولد .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا سبق إلا في ثلاث: نصل أو خف أو حافر"، وقاس بعض أهل العلم على ذلك ما فيه منفعة للمسلمين كحفظ القرآن والحديث والعلم، فالمسابقات على الأمور التافهة والتي لا فائدة فيها لا تجوز، ولا يجوز الاشتراك فيها.
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه: " الفروسية" ( المسألة الحادية عشرة: المسابقة على حفظ القرآن والحديث والفقه وغيره من العلوم النافعة، والإصابة في المسائل، هل تجوز بعوض؟ منعه أصحاب مالك وأحمد والشافعي، وجوزه أصحاب أبي حنيفة وشيخنا، وحكاه ابن عبد البر عن الشافعي، وهو أولى من الشباك والصراع والسباحة، فمن جوز المسابقة عليها بعوض فالمسابقة على العلم أولى بالجواز، وهي صورة مراهنة الصِديق لكفار قريش على صحة ما أخبرهم به وثبوته، وقد تقدم أنه لم يقم دليل شرعي على نسخه، وأن الصديق أخذ رهنهم بعد تحريم القمار، وأن الدين قيامه بالحجة والجهاد فإذا جازت المراهنة على آلات الجهاد، فهي في العلم أولى بالجواز، وهذا القول هو الراجح) انتهى. وقال في موضع آخر من كتابه ( وإذا كان الشارع قد أباح الرهان في الرمي والمسابقة بالخيل والإبل، لما في ذلك من التحريض على تعلم الفروسية وإعداد القوة للجهاد فجواز ذلك في المسابقة والمبادرة إلى العلم والحجة التي بها تفتح القلوب ويعز الإسلام وتظهر أعلامه أولى وأحرى.
وإلى هذا ذهب أصحاب أبي حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية).
4-لم يكن هناك المقتضى الدافع للمسابقات في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأنهم كانوا يتنافسون على القرآن الكريم والخيرات دون أن يحتاجوا لمثل هذه المسابقات لكن لما ضعفت الهمم في عصرنا إحتاج المسلمين لمثل هذه المسباقات التي تعتبر وسيلة للتشجيع والإحسان فأين كل هذا من المولد الذي لا يعتبر وسيلة لشيء وقد بدلنا النبي صلى الله عليه وسلم بعبادة خير منها ألا وهي الصيام يوم الإثنين بقوله(ذلك يوم ولدت فيه)؟؟؟
الشبهة السادسة والعشرون : قولهم أن الإحتفال بالمولد النبوي مسألة خلافية ولا إنكار في مسائل الخلاف .
الجواب :
هذا الكلامُ فيه فتحُ بابٍ لشرٍّ عظيمٍ، وذلك أنَّه قلَّما توجدُ مسألةٌ إلا وللعلماءِ فيها أقوال مختلفة، فهل هذا يعني أنَّ الأمرَ كذلك في نفسِه ؟! وعليه فلا يجوز الإنكارُ إلا إذا اتفقت كلمةُ العلماء على إنكاره ؟ اللهمَّ لا.
وقد رد على هذه القاعدة الباطلة الإمام ابن القيم رحمه الله حيث قال: وقولهم إنَّ مسائلَ الخلافِ لا إنكارَ فيها: ليس بصحيحٍ، فإنَّ الإنكارَ إمَّا أَن يتوجَّهَ إلى القول، والفتوى، أو العمل.
أما الأوَّل: فإذا كان القولُ يخالفُ سنَّةً، أو إجماعاً شائعاً: وجب إنكارُه اتفاقا، وإن لم يكن كذلك: فإنَّ بيانَ ضعفِهِ ومخالفته للدليل، إنكارٌ مثلُه، وأمَّا العملُ فإذا كان على خلافِ سنَّةٍ، أو إجماعٍ: وجب إنكارُه بحسب درجاتِ الإنكارِ، وكيف يقول فقيهٌ " لا إنكارَ في المسائلِ المختلفِ فيها"؛ والفقهاءُ مِن سائرِ الطوائفِ قد صرّحوا بنقضِ حكمِ الحاكم إذا خالف كتاباً أو سنَّةً، وإن كان قد وافق فيه بعضَ العلماء ؟!
وأما إذا لم يكن في المسألةِ سنَّةٌ ولا إجماعٌ، وللاجتهاد فيه مساغٌ؛ لم تنكر من عمل بها مجتهدا أو مقلداً.
وإنما دخل هذا اللبسُ مِن جهة أنَّ القائل يعتقد أنَّ مسائل الخلاف هي مسائلُ الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف مِن الناس ممن ليس لهم تحقيقٌ في العلم.
والصواب: ما عليه الأئمةُ أنَّ مسائلَ الاجتهادِ ما لم يكن فيها دليلٌ يجب العملُ به وجوباً ظاهراً، مثل حديثٍ صحيحٍ لا معارض له مِن جنسه: فيسوغ فيها - إذا عُدم فيها الدليلُ الظاهر الذي يجب العمل به - الاجتهاد لتعارض الأدلة، أو لخفاء الأدلة فيها .
وليس في قول العالِم "إنَّ هذه المسألة قطعيَّةٌ أو يقينيَّةٌ، ولا يسوغ فيها الاختلاف"، طَعْنٌ على مَن خالفها، ولا نسبةٌ له إلى تعمُّدِ خلافِ الصوابِ.
والمسائل التي اختلف فيها السلف والخلف وقد تيقنَّا صحةَ أحدِ القولين فيها: كثيرةٌ مثلُ كون الحامل تعتد بوضع الحمل ) ، وأنَّ إصابة الزوج الثاني شرط في حلها للأول ) ، وأن الغسل يجب بمجرد الإيلاج وإن لم ينـزل ، وأن ربا الفضل حرام ، وأن المتعة حرام ) ، وأن النبيذ المسكر حرام ، وأن المسلم لا يقتل بكافر ، وأن
عابرسبيل- مشرف
-
[img]https://2img.net/h/oi45.tinypic.com/8vuutv.jpg[/img
عدد المساهمات : 510
تاريخ التسجيل : 08/08/2010
الموقع : http://www.salafi.com/
رد: الرد المسدد على من أجاز بدعة المولد
وأن المسح على الخفين جائز حضرا وسفرا ، وأنَّ السنَّة في الركوع وضع اليدين على الركبتين دون التطبيق ، وأن رفع اليدين عند الركوع والرفع منه سنَّة ، وأنَّ الشفعة ثابتة في الأرض والعقار ، وأنَّ الوقف صحيح لازم ، وأنَّ دية الأصابع سواء ، وأنَّ يد السارق تقطع في ثلاثة دراهم ، وأنَّ الخاتم من حديد يجوز أن يكون صداقا ، وأنَّ التيمم إلى الكوعين بضربة واحدة جائز ، وأن صيام الولي عن الميت يجزئ عنه ، وأن الحاج يلبي حتى يرمي جمرة العقبة ، وأنَّ المحرم له استدامة الطيب دون ابتدائه ، وأنَّ السنة أن يسلم في الصلاة عن يمينه وعن يساره" السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله" ، وأنَّ خيار المجلس ثابت في البيع ( ، وأنَّ المصرّاة يَرد معها عوض اللبن: صاعاً من تمر ، وأنَّ صلاة الكسوف بركوعين في كل ركعة ، وأنَّ القضاء جائز بشاهد ويمين ، إلى أضعاف أضعاف ذلك مِن المسائل، ولهذا صرَّح الأئمة بنقض حكم مَن حكم بخلاف كثيرٍ مِن هذه المسائل مِن غير طعنٍ منهم على مَن قال بها.
وعلى كلِّ حالٍ: فلا عذر عند الله يوم القيامة لِمن بلغه ما في المسألة - هذا الباب وغيره- مِن الأحاديث، والآثار التي لا معارض لها إذا نبذها وراء ظهره، وقلَّد مَن نهاه عن تقليده، وقال له: لا يحل لك أن تقول بقولي إذا خالف السنَّة، وإذا صح الحديث فلا تعبأ بقولي، وحتى لو لم يقل له ذلك: كان هذا هو الواجب عليه وجوباً لا فسحة له فيه، وحتى لو قال له خلاف ذلك، لم يسعه إلا اتباع الحجة، ولو لم يكن في هذا الباب شيءٌ مِن الأحاديث والآثار البتة: فإنَّ المؤمن يعلم بالاضطرار أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلِّم أصحابه هذه الحِيَل، ولا يدلهم عليها... وهذا القدر لا يحتاج إلى دليلٍ أكثر مِن معرفة حقيقة الدين الذي بَعث الله به رسولَهُ.أ.هـ" اعلام الموقعين" (3/300-301).
والخلاف في مسألة الإحتفال بالمولد ليس خلافاً على فرع معزول عن أصوله ؛ بل هو خلاف على فرع يراد من خلاله تثبيت الأصول والمحافظة عليها , وأصل الأصول عندنا هو ( الشهادتان ) ومقتضاها هو : ( التوحيد لله عز وجل ) و ( الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم ) وثمة منهج في الساحة يستهدف التوحيد بنشر الخرافة ، ويستهدف الاتباع بنشر البدع ، ويستغل الدين لبناء الأمجاد الخاصة ، والاحتفال بالمولد وسيلة من وسائل هذا المنهج المنحرف ، وبهذا تتبين أهمية رد هذه البدعة ، وكشف شبهات المجيزين لها.
الخلاصة :
وخلاصة ما سبق بيانه في هذا البحث ، أن تعظيم ذكرى المولد ، واتخاذه عيداً يتكرر كل عام في شهر ربيع الأول ، في يوم معين من الشهر ، أو في كل أيام الشهر أو في المناسبات السعيدة ، أمر مخترع لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم طيلة حياته ، لا قبل البعثة ولا بعدها ، ولو كان خيراً وقربة وعملاً صالحاً لدل الأمة عليه ، فإنه صلى الله عليه وسلم رحيم بهذه الأمة ، حريص على صلاحها وفلاحها في الدنيا والآخرة ، وعلى كل ما يقربها إلى الجنة ويباعدها عن النار . { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم . فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم }.
* ثم إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفلوا بذكرى مولده ، ولا بغيره من الأحداث العظام ، التي شهدوها مع النبي صلى الله عليه وسلم ، كيوم الهجرة ، ويوم بدر والأحزاب والفتح وحنين وغيرها ، ولا ريب أن لها في نفوسهم الأثر الكبير .
* ثم تبعهم على ذلك ، من جاء بعدهم من التابعين ، والأئمة المهديين ، وفيهم أصحاب المذاهب الأربعة المتبوعة .
* ومضت تلك القرون الفاضلة ، والأمر على ما هو عليه من ترك الأمة كلها ، من شرقها إلى غربها ، الاحتفال بذكرى " المولد " وغيره من أحداث السيرة المشهورة ، التي لا تقل أهمية عن يوم المولد ، لأنها جزء من عمر النبوة والرسالة .
* حتى إذا حدث النقص في الأمة ، بعد تلك القرون الفاضلة ، وظهرت غربة الدين ، وفشت البدع والأهواء في أوساط المسلمين ، نبتت نابتة تزعم أنها أحق بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وأولى بتعظيمه ، ممن سبقها من الصحابة والتابعين وأئمة الدين ، فأحدثت الاحتفال بذكرى يوم مولده صلى الله عليه وسلم ، وكان هذا في القرن الرابع الهجري ، وكان منحصراً في بلد معين ، وفي طائفة معينة ، حيث أحدثه ملوك الدولة " العبيدية " بمصر .
* ثم لما شاع العمل بهذا " المولد " بين المسلمين ، اخترع له بعض المنتسبين للعلم والتصوف ، أدلة تؤيده ، وتحسِّن بدعته .
وقد أوصلها بعضهم إلى أكثر من عشرين دليلاً ، زعم أنها مستنبطة من الكتاب والسنة .
وليت شعري ، كيف يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه كتم بيانها للأمة ، حتى جاء ذلك المتكلِّف ليستدرك عليه ما فاته من البيان ؟ .
وكيف فات على الصحابة ، وعلماء الأمة ، في القرون الفاضلة ، فهمها واستنباطها ، وهم كانوا أعلم وأفقه بالكتاب والسنة ، من ذلك المتكلِّف ، وغيره من أدعياء العلم والمعرفة .
* وأكثر الأدلة ، التي يستند إليها المؤيدون " للمولد " ، إنما هي عمومات ومطلقات ، ليس فيها تخصيص بيوم معين في العام أو في الشهر ، ولا تقييد بهيئة أو كيفية للذكر ، أو لدراسة السيرة النبوية ، أو للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
وفرق كبير بين الإطلاق والتعميم ، وبين التقييد والتخصيص ، في العبادات ، ومن هنا حصل الاشتباه على كثير من الناس في مسألة " المولد " ، وغيرها من البدع والمحدثات ، فإنهم نظروا إلى ما اشتملت عليه من أمور مشروعة ، كالذكر مثلاً ، فاستحسنوها لذلك ، دون النظر إلى مسألة التخصيص والتقييد ، وهي الفاصل بين البدعة والسنة .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) وقد إطلعت على كلام أحد كتاب المتصوفة حيث جعل الإمام ابن حاج من المجيزين لبدعة المولد ورد كلامه الأول بحجة أنه يقصد البدع الموجودة في المولد لا أصل المولد وإحتج بماقاله الإمام((فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ - أي شهر مولده صلى الله عليه و سلم - مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْخَيْرِ شُكْرًا لِلْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى مَا أَوْلَانَا مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزِدْ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ شَيْئًا مِنْ الْعِبَادَاتِ).
قلت:ولا يوجد في هذا الكلام على ما يدل جواز الإحتفال بالمولد إنما هو تعظيم لهذا الشهر فقط وليس هذا محل بحثنا ومما يدل على الإمام ابن حاج يرى بأن المولد بدعة في أصله ما ذكره في المدخل حيث قال( فإن خلا منه وعمل طعاما فقط ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان وسلم من كل ما تقدم ذكره فهو بدعة بنفس نيته فقط، لأن ذلك زيادة في الدين وليس من عمل السلف الماضين، واتباع السلف أولى، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن تبع فيسعنا ما وسعهم.)انتهى.
أما تعليق السيوطي على هذا الكلام وإدعاءه أن ابن حاج يقصد البدعة الحسنة فمردود عليه بكلام ابن حاج نفسه حيث قال(لأن ذلك زيادة في الدين) فهل الزيادة في الدين بدعة حسنة؟؟؟
وهل في الدين(الشرع) بدعة حسنة أصلا؟؟؟!!!
وعلى كلِّ حالٍ: فلا عذر عند الله يوم القيامة لِمن بلغه ما في المسألة - هذا الباب وغيره- مِن الأحاديث، والآثار التي لا معارض لها إذا نبذها وراء ظهره، وقلَّد مَن نهاه عن تقليده، وقال له: لا يحل لك أن تقول بقولي إذا خالف السنَّة، وإذا صح الحديث فلا تعبأ بقولي، وحتى لو لم يقل له ذلك: كان هذا هو الواجب عليه وجوباً لا فسحة له فيه، وحتى لو قال له خلاف ذلك، لم يسعه إلا اتباع الحجة، ولو لم يكن في هذا الباب شيءٌ مِن الأحاديث والآثار البتة: فإنَّ المؤمن يعلم بالاضطرار أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلِّم أصحابه هذه الحِيَل، ولا يدلهم عليها... وهذا القدر لا يحتاج إلى دليلٍ أكثر مِن معرفة حقيقة الدين الذي بَعث الله به رسولَهُ.أ.هـ" اعلام الموقعين" (3/300-301).
والخلاف في مسألة الإحتفال بالمولد ليس خلافاً على فرع معزول عن أصوله ؛ بل هو خلاف على فرع يراد من خلاله تثبيت الأصول والمحافظة عليها , وأصل الأصول عندنا هو ( الشهادتان ) ومقتضاها هو : ( التوحيد لله عز وجل ) و ( الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم ) وثمة منهج في الساحة يستهدف التوحيد بنشر الخرافة ، ويستهدف الاتباع بنشر البدع ، ويستغل الدين لبناء الأمجاد الخاصة ، والاحتفال بالمولد وسيلة من وسائل هذا المنهج المنحرف ، وبهذا تتبين أهمية رد هذه البدعة ، وكشف شبهات المجيزين لها.
الخلاصة :
وخلاصة ما سبق بيانه في هذا البحث ، أن تعظيم ذكرى المولد ، واتخاذه عيداً يتكرر كل عام في شهر ربيع الأول ، في يوم معين من الشهر ، أو في كل أيام الشهر أو في المناسبات السعيدة ، أمر مخترع لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم طيلة حياته ، لا قبل البعثة ولا بعدها ، ولو كان خيراً وقربة وعملاً صالحاً لدل الأمة عليه ، فإنه صلى الله عليه وسلم رحيم بهذه الأمة ، حريص على صلاحها وفلاحها في الدنيا والآخرة ، وعلى كل ما يقربها إلى الجنة ويباعدها عن النار . { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم . فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم }.
* ثم إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفلوا بذكرى مولده ، ولا بغيره من الأحداث العظام ، التي شهدوها مع النبي صلى الله عليه وسلم ، كيوم الهجرة ، ويوم بدر والأحزاب والفتح وحنين وغيرها ، ولا ريب أن لها في نفوسهم الأثر الكبير .
* ثم تبعهم على ذلك ، من جاء بعدهم من التابعين ، والأئمة المهديين ، وفيهم أصحاب المذاهب الأربعة المتبوعة .
* ومضت تلك القرون الفاضلة ، والأمر على ما هو عليه من ترك الأمة كلها ، من شرقها إلى غربها ، الاحتفال بذكرى " المولد " وغيره من أحداث السيرة المشهورة ، التي لا تقل أهمية عن يوم المولد ، لأنها جزء من عمر النبوة والرسالة .
* حتى إذا حدث النقص في الأمة ، بعد تلك القرون الفاضلة ، وظهرت غربة الدين ، وفشت البدع والأهواء في أوساط المسلمين ، نبتت نابتة تزعم أنها أحق بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وأولى بتعظيمه ، ممن سبقها من الصحابة والتابعين وأئمة الدين ، فأحدثت الاحتفال بذكرى يوم مولده صلى الله عليه وسلم ، وكان هذا في القرن الرابع الهجري ، وكان منحصراً في بلد معين ، وفي طائفة معينة ، حيث أحدثه ملوك الدولة " العبيدية " بمصر .
* ثم لما شاع العمل بهذا " المولد " بين المسلمين ، اخترع له بعض المنتسبين للعلم والتصوف ، أدلة تؤيده ، وتحسِّن بدعته .
وقد أوصلها بعضهم إلى أكثر من عشرين دليلاً ، زعم أنها مستنبطة من الكتاب والسنة .
وليت شعري ، كيف يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه كتم بيانها للأمة ، حتى جاء ذلك المتكلِّف ليستدرك عليه ما فاته من البيان ؟ .
وكيف فات على الصحابة ، وعلماء الأمة ، في القرون الفاضلة ، فهمها واستنباطها ، وهم كانوا أعلم وأفقه بالكتاب والسنة ، من ذلك المتكلِّف ، وغيره من أدعياء العلم والمعرفة .
* وأكثر الأدلة ، التي يستند إليها المؤيدون " للمولد " ، إنما هي عمومات ومطلقات ، ليس فيها تخصيص بيوم معين في العام أو في الشهر ، ولا تقييد بهيئة أو كيفية للذكر ، أو لدراسة السيرة النبوية ، أو للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
وفرق كبير بين الإطلاق والتعميم ، وبين التقييد والتخصيص ، في العبادات ، ومن هنا حصل الاشتباه على كثير من الناس في مسألة " المولد " ، وغيرها من البدع والمحدثات ، فإنهم نظروا إلى ما اشتملت عليه من أمور مشروعة ، كالذكر مثلاً ، فاستحسنوها لذلك ، دون النظر إلى مسألة التخصيص والتقييد ، وهي الفاصل بين البدعة والسنة .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) وقد إطلعت على كلام أحد كتاب المتصوفة حيث جعل الإمام ابن حاج من المجيزين لبدعة المولد ورد كلامه الأول بحجة أنه يقصد البدع الموجودة في المولد لا أصل المولد وإحتج بماقاله الإمام((فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ - أي شهر مولده صلى الله عليه و سلم - مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْخَيْرِ شُكْرًا لِلْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى مَا أَوْلَانَا مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزِدْ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ شَيْئًا مِنْ الْعِبَادَاتِ).
قلت:ولا يوجد في هذا الكلام على ما يدل جواز الإحتفال بالمولد إنما هو تعظيم لهذا الشهر فقط وليس هذا محل بحثنا ومما يدل على الإمام ابن حاج يرى بأن المولد بدعة في أصله ما ذكره في المدخل حيث قال( فإن خلا منه وعمل طعاما فقط ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان وسلم من كل ما تقدم ذكره فهو بدعة بنفس نيته فقط، لأن ذلك زيادة في الدين وليس من عمل السلف الماضين، واتباع السلف أولى، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن تبع فيسعنا ما وسعهم.)انتهى.
أما تعليق السيوطي على هذا الكلام وإدعاءه أن ابن حاج يقصد البدعة الحسنة فمردود عليه بكلام ابن حاج نفسه حيث قال(لأن ذلك زيادة في الدين) فهل الزيادة في الدين بدعة حسنة؟؟؟
وهل في الدين(الشرع) بدعة حسنة أصلا؟؟؟!!!
عابرسبيل- مشرف
-
[img]https://2img.net/h/oi45.tinypic.com/8vuutv.jpg[/img
عدد المساهمات : 510
تاريخ التسجيل : 08/08/2010
الموقع : http://www.salafi.com/
رد: الرد المسدد على من أجاز بدعة المولد
بدات المدائح ترتفع بهذه البدعة..............نسال الله ان يهدينا للحق ويثبثنا على الصراط المستقيم ......جزاك الله خيرا
فيتوري ارياحي- مشرف
-
عدد المساهمات : 634
تاريخ التسجيل : 22/01/2010
مواضيع مماثلة
» المولد النبوي الشريف
» التبيان أن الحلف على المصحف بدعة من تزيين الشيطان
» أقوال علماء السنة في بيان أن التكبير الجماعي بدعة
» التبيان أن الحلف على المصحف بدعة من تزيين الشيطان
» أقوال علماء السنة في بيان أن التكبير الجماعي بدعة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 01 مايو 2020, 17:16 من طرف الرياحى
» ترحيب بالعضو الجديد Samar
الجمعة 01 مايو 2020, 17:14 من طرف الرياحى
» نسب قبيلة رياح فى سوكنة ليبيا الهلالي
الجمعة 20 مارس 2020, 11:09 من طرف فيتوري ارياحي
» الزروق الرياحي
الجمعة 20 مارس 2020, 09:21 من طرف فيتوري ارياحي
» الترابط الاجتماعى لقبيلة رياح مهم جدا
الخميس 24 أكتوبر 2019, 10:40 من طرف بن يوسف رياحي
» قبائل بني هلال في ليبيا
الأربعاء 23 أكتوبر 2019, 18:20 من طرف فيتوري ارياحي
» تحرير خالد الرياحي من بلدة سوكنة
الأربعاء 21 أغسطس 2019, 20:33 من طرف فيتوري ارياحي
» دعاء....
الأربعاء 19 يونيو 2019, 05:59 من طرف بن يوسف رياحي
» استعيذوا بالله من النار..
الخميس 13 يونيو 2019, 04:45 من طرف فيتوري ارياحي