(بيان في حكم سرقة الكهرباء) كتبه الشيخ سعد بن فتحي الزعتري حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و ناصر المستضعفين، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين، نبينا محمد و على آله و صحبه و من تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعـــد:

فإن مما يؤسف له و يدعو إلى القلق، انتشار ظاهرة اختلاس الأموال العامة، وخصوصًا ما يتعلق بسرقة الكهرباء أو عدادات الكهرباء الموجودة في البيوت، وذلك بتغيير بعض الأرقام أو بسحب خطٍ فرعي بدون إذن المسئولين، ظانيين أن هذا الأمر جائز ومباح.

و هذا الأمر لا يجوز في شريعة الإسلام، وهو حرام بنص الكتاب والسنة، وفاعله مرتكب للإثم ومتوعد بالعقوبة.

يقول الله-سبحانه وتعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(المائدة/2)، وهل من البر أن يختلس الشخص مال غيره؟، بل و ينتفع به بدون أي مقابل ولا إذن من الطرف الآخر؟.

إن الجهة التي تمول الناس بالكهرباء تحتاج إلى تكلفة باهظة لإيصال التيار الكهربائي، فإذا لم يدفع المستخدم أجرة الكهرباء فسيؤدي ذلك إلى عجز لدى البلدية، مما يؤدي ذلك إلى قطع التيار على جميع الناس.

فأنت تسببت في إيذاء غيرك فضلاً عن إيذاء نفسك بالإثم، يقول الله-سبحانه وتعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)(الأحزاب/58).

والبلدية إنما أعطتك أيها المواطن الكهرباء بناءً على عقدٍ جرى بينكما، وأنت التزمت بهذا العقد و هذا العهد، فإذا أخللت بهذا العقد أصبحت ممن ينقضون العهود والمواثيق، يقول الله- تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ....)(المائدة/1).

بل هذا من التشبه باليهود لأنهم ينقضون العهود: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)(البقرة/100)، ويقول-عليه الصلاة و السلام-: (أدِّ الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك)(مشكاة المصابيح/ باب الكسب وطلب الحلال/2934)، ويقول-عليه الصلاة والسلام-: (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف و إذا اؤتمن خان)( صحيح الجامع/16).

فاتق الله يا عبد الله، واعلم أن الله-عز وجل-مطلع عليك ويراك وأنت تقوم بهذا الفعل الشنيع، فاحذر مكر الله وانتقامه، يقول النبي-عليه الصلاة والسلام-: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)(السلسلة الصحيحة/3512).

إن الشخص الذي يسرق أو يختلس الأموال العامة هو مريض النفس عديم الذمة والأمانة، حري به أن لا يبقى بين صفوف الصالحين المتقين، و يجب على المسئولين أن يردعوا هذا الصنف من الناس حتى يكون عظة و عبرة للمعتبرين.

إن قيام بعض الناس بهذه الأفعال المحرمة إنما مبناه على بعض الشبهات المرفوضة، التي سولت لهم أفعالهم و باركت لهم جهودهم.

ومن هذه الشبهات: أنهم يقولون أن هذه الكهرباء من الدولة ومن واجباتها، وهي ملتزمة بإيصال الكهرباء إلى الناس بدون تكلفة، فكما أنه يجب عليها معالجة الناس وتعبيد الشوارع بدون أخذ الأجور، كذلك الماء والكهرباء، فالبلدية تأخذ المقابل بدون حق، ونحن نسترجع حقوقنا من خلال هذه الطرق ...الخ.

وهذه الشبهة هي من وحي الشيطان، فكيف قبلت على نفسك أن تعاهدهم على الالتزام في دفع الأجور المستحقة ثم تنقض العهد من وراءهم، هذه هي الخيانة بعينها.

أما أن الدولة من حقوقها إيصال الكهرباء للناس بدون تكلفة، فهذا الكلام غير صحيح، فإذا قلنا هذا، فإذن على الدولة توفير المأكل و المشرب للناس، ولا حاجة إلى الذهاب للعمل و طلب الرزق، وهذا لم يكن حاصلاً في زمن النبي-صلى الله عليه وسلم-، بل كان النبي صلى-الله عليه وسلم-يأخذ من الناس أموالاً للإنفاق على الدولة كتجهيز الجيوش و شراء العتاد إلى غير ذلك، فالأمر يرجع إلى الحاكم أو المسئول هو الذي يرى المصلحة التي تنفع الشعب، فإذا كانت الدولة غنيّة فإنها تساعد الناس وإذا كانت فقيرة فربما تحتاج من الناس، فالأمر بحسب المصلحة.

ومن الشبه أيضًا قولهم: إن الدولة أو الجهة المعنية ليست مستقيمة، وأنها تجور في المعاملات ولا تحكم بالعدل والإسلام أو أنها كافرة أو هي تسرق الشعب ...الخ، فلذلك نحن نعاملها بالمثـل.

وهذا الكلام غير صحيـح:

فأولًا: أثبتوا لنا هذا الكلام.

وثانيًا: إن ثبت فلا يجوز أن تعاملهم بالمثل.

فهل هم جاؤوا إلى بيتك و قاموا بسرقتك فقمت أنت بسرقتهم؟، وإن فُعل بك ذلك فلا يجوز أن تسرقهم، بل تسترجع مالك إن استطعت، وهذا فيه تعليم للناس على السرقة والاختلاس والتعاون على الإثم و العدوان.

فلا يوجد مبررًا لهذه الأعمال المنكرة، إنما هو الهوى والشيطان وإيثار الدنيا على الآخرة، فعلى الجميع تقوى الله-عز وجل-، وأن يحبوا لغيرهم ما يحبون لأنفسهم، (....وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ....)(الطلاق2-3).

نسأل الله للجميع التوفيق و السداد، والسعادة في الدنيا والآخرة، إنه ولي ذلك و القادر عليه.

وصلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.

وكتب

سعد بن فتحي الزعتري

مشكور / اخى المغرب العربى

جزاك الله خير

موفقباذن الله

مشكور اخي

المغرب العربي

جزك الله خير